كيف يؤدي الأدب المقارن رسالته في تدعيم الوعي القومي وتغذية الشخصية القومية؟
لا يقدّم الدكتور هلال إجابة موحّدة واضحة ومقنعة عن هذا السؤال. فهو يرى تارة أنّ "أقوى وسيلة لدعم نداء الوعي القومي هي أن يتصل بالتيارات الفكرية والفنية العالمية اتصالاً يغذي به أصالته ويواصل سيره في مجالات التطوير والتجديد".
ولكن من الأفضل لنا أن نستبدل هنا عبارة "وعي قومي" بعبارة "أدب قومي"، لأنّ الأدب هو ما يتجدد عبر اتصاله بالتيارات الفكرية والفنية العالمية.
وعلى أيّة حال فإنّ الدكتور هلال مايلبث أن يتحدّث عن أدوار قومية أخرى للأدب المقارن، مثل "إظهار مقوّمات قوميتنا في الحاضر"، وتوضيح "مدى امتداد جهودنا الفنية والفكرية في التراث الأدبيّ العالميّ" وجلاء "نواحي الأصالة في الأدب القوميّ".
مما تقدّم نستنتج:
1- أنّ الدكتور هلال يسعى لإيكال دور هامّ ورسالة خطيرة إلى الأدب المقارن.
2- أنه لم يحدّد تلك الرسالة بالدّقة المطلوبة، بل تحدّث عنها بطريقة فيها كثير من المبالغة، وذلك بغرض إثارة الاهتمام بالأدب المقارن.
3- أنّ هذه الرسالة ذات جوهر قوميّ بالدرجة الأولى. ويبدو أنّ تحديد طبيعة تلك الرسالة على هذا الشكل يرجع إلى أسباب عديدة، من أبرزها تأثر الدكتور هلال بالمدّ القومي الذي عمّ الوطن العربيّ في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات، أي الفترة التي أعدّ فيها الدكتور هلال الطبعتين الثانية والثالثة من كتابه "الأدب المقارن"، ورغبة المؤلف في إظهار الأدب المقارن في مظهر علم يماشي ذلك المدّ ويخدمه.
فمن الملاحظ أنّ الدكتور هلال لم يؤكّد قومية رسالة الأدب القومي في مقدمة الطبعة الأولى التي ترجع إلى عام 1953، بل في مقدمة الطبعة الثالثة التي ترجع إلى عام 1962.
على أية حال فإنّ الرسالة الخطيرة التي نسبها الدكتور هلال إلى الأدب المقارن لم تمنعه من أن ينسب إلى هذا العلم رسالة ليست على هذه الدرجة من الخطورة، وإن كانت أقرب إلى طبيعته وإمكاناته الواقعية.
وتتمثل هذه الرسالة في إغناء النقد الأدبي والدرسات الأدبية.
فالأدب المقارن، في رأي الدكتور هلال، مهمّ في الدراسات الأدبية، وضروريّ للنقد الحديث لأنه "مكمّل لتاريخ الأدب وأساس جديد للدراسات النقدية"، وهذا مامنحه "أهمية لاتقل عن أهمية النقد الحديث، بل أصبحت نتائج بحوثه عماد الأدب والنقد الحديث معاً.. حتى ليسمّى النقد الحديث النقد المقارن، إشارة إلى أهمية البحوث المقارنة في جلاء جوانبه واستكمالها".
وهنا أيضاً يلاحظ أنّ الدكتور هلال يبالغ ويهوّل، وذلك لغرض ليس من الصعب تبيّنه.
إنّ ما يجعل الأدب المقارن "جوهرياً" لتاريخ الأدب والنقد بمعناهما الحديث، هو في رأي الدكتور هلال، أنه "يكشف عن مصادر التيارات الفنية والفكرية للأدب القوميّ"، وعن "جوانب تأثر الكتّاب في الأدب القوميّ بالآداب العالمية"، مما يعود بالفائدة على الأدب القوميّ، وذلك من نواح عدّة:
1- فالأدب المقارن يكشف عن جوانب وخصائص الأصالة في الأدب القوميّ.
3- وهو يتتبع حسن إفادة الكتاب والنقاد من الآداب العالمية في إغناء الأدب القومي.
3- وهو يوجّه حركات التجديد في الأدب القوميّ "توجيهاً رشيداً على هدى ما تسير عليه الآداب العالمية".
التسميات
أدب مقارن