بعد تحديد أهداف التعليم، ُيطرح السؤال: كيف يمكن تنظيم التعليم ليتمكن من بلوغها؟ من جديد ستكون أم الكلمات في الجواب هي «المرونة».
لا يكفي أن يكون العامل مرنا ومتكيفا ومنافسا، بل يتعين كذلك على نظام التعليم بالذات أن يتصف بتلك المميزات.
ينبغي التخلي عن «باخرة التعليم الضخمة» التي تقودها الدولة واستبدالها بـ «أسطول سفن صغيرة أيسر قيادةً» حسب الصورة التي تروق لوزير تعليم الجماعة الفرنسية ببلجيكا لوريت أونكلينك Laurette Onkelinckx.
لكن الاستعارة بليغة اكثر مما يتصور الوزير: لأن الخطر الحقيقي كامن في أن يفوز البعض بزورق ذي محرك أو يخت فخم، فيما سُيقصى آخرون إلى سفينة صغيرة مهترئة أو زورق بخاري بمجاديف.
كتبت المائدة المستديرة للصناعيين الأوربيين منذ 1989 «تهيمن الاكراهات البيروقراطية على إدارة المدرسة (...) إن الممارسات الادراية مفرطة التصلب على نحو يمنع مؤسسات التعليم من التكيف مع التغيرات الضرورية التي يفرضها التطور السريع للتكنولوجيا الحديثة وعمليات إعادة هيكلة الصناعة والقطاع الثالث».
وعلى النحو ذاته تقول منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين :«يتعين على نظام التعليم أن يبذل قصاراه لتقليص مدة استجابته باستعمال صيغ أكثر ليونة من صيغ الوظيفة العمومية، لأجل إحداث - أو إغلاق - شعب تقنية أو مهنية، واستعمال مستخدمين أكفاء وامتلاك التجهيزات الضرورية».
إن تنامي استقلال مؤسسات التعليم يمنحها هامش تحرك أكبر للتكيف مع رغبات الأوساط الاقتصادية، وورب قائل يضيف: ومع متطلبات المجتمع والآباء.
بالطبع، لكن احتدام التنافس على فرص عمل مقومة valorisants يجعل تدخل الآباء (في مجالس المشاركة أو غيرها) يعكس حتما رغبات أرباب العمل.
إن الضغوط لإدخال تدريس اللغة الإنجليزية بضع ساعات بالسنوات الأولى من التعليم الأساسي بليغة الدلالة في هذا الصدد.
تتيح الاستقلالية بوجه خاص عقد شراكات مع المقاولات (وتحفز ذلك، بقدر ما يمكن للمقاولات ان تمنح تمويلا لغايات إعلان تجاري sponsor في شروط عوز الميزانية).
وهكذا يرى تقرير اللجنة الأوربية حول «الأهداف الملموسة» لأنظمة التعليم انه «من الأفضل توثيق علاقات هذه مع المحيط المحلي ومع المقاولات وأرباب العمل بوجه خاص، قصد تحسين مستوى إدراكها لحاجات هؤلاء والرفع بذلك من مستوى قابلية المتعلمين للتشغيل employabilité ».
وقد أشارت اللجنة منذ 1995، في كتابها الأبيض حول التعليم إلى أن «أقل الأنظمة التعليمية تمركزا هي أيضا الأكثر مرونة، والأسرع تكيفا والمتيحة أكثر لتطوير أشكال شراكة جديدة».
غالبا ما تسعى تلك الشراكات صراحة لإدخال ما يسمى باحتشام «روح المغامرة» (l' esprit d' entreprise) إلى المدرسة.
وفي الواقع ينبغي أن نشير إلى أن المرونة المطلوبة من العمال لا تقتصر على الصعيد المهني المحض، بل المقصود أيضا قبول أنماط جديدة من تنظيم العمل من قبيل الإنتاج شديد التدفق والعمل الليلي وتوقيت العمل المتغير.
ويستلزم ذلك « تحميل المسؤولية» للعامل، أي ترسيخ اقتناعه بفكرة تماثل مصلحته مع مصلحة رب العمل.
وتتأسف اللجنة الأوربية لكون « أنظمة التعليم غالبا ما تتركز على تلقين كفايات مهنية، متخلية عن تعلم المهارات الشخصية للصدفة بهذا الحد او ذاك، غير أنه من الممكن تحسين وتشجيع هذه الأخيرة بموازاة تعليم الكفايات المهنية وبواسطتها».
وهناك يتدخل التعاون مع المقاولات.
وهكذا ترى منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين ان اكبر فوائد التعليم بالتناوب تكمن في «تلقين المتعلم كيف يصبح عضوا بفريق عمل، وكيف يقبل تلقي أوامر وكيف يعمل رفقة آخرين. والمقصود أيضا فهم أفضل لوثيرة العمل والاستعداد للاستجابة لمتطلبات مختلفة خلال تعاقب مراحل مهنة ما».
كما يطال العزم على تطبيق نزع الضبط أنماط أنظمة الشهادات.
ففي سياق دوران سريع لليد العاملة يبتغي أرباب العمل، كما رأينا آنفا، إضفاء المرونة على سوق العمل. وهذه الأخيرة مضبوطة حاليا بشكل قوي بواسطة نظام الـتأهيل والشهادات، الذي يتيح مفاوضات جماعية ضامنة للأجور ولشروط العمل و للحماية الاجتماعية.
ففي سياق دوران سريع لليد العاملة يبتغي أرباب العمل، كما رأينا آنفا، إضفاء المرونة على سوق العمل. وهذه الأخيرة مضبوطة حاليا بشكل قوي بواسطة نظام الـتأهيل والشهادات، الذي يتيح مفاوضات جماعية ضامنة للأجور ولشروط العمل و للحماية الاجتماعية.
وبغية تدمير هذا النظام «الصلب» تطرح الأوساط الاقتصادية ضرورة اعتماد شواهد «مبنية على الوحدات التعليمية» modulaires.
ولهذه الأخيرة ميزة مزدوجة تتمثل في السماح باستخدام أكثر ليونة (بضغط أكثر على الحقوق الاجتماعية) وفي حفز «المتعلمين» ليفضلوا من الوحدات التعليمية كل ماله مردود فعال من زاوية قابلية التشغيل.
وفي ألمانيا تنص خطة العمل الوطنية لرفع عدد مقاعد التعلم على أن «منح التلاميذ الذين لا يتوفقون كليا في امتحانات التخرج شهادات تأهيلية جزئية قابلة للاستعمال في سوق العمل».
وفي فرنسا يقترح ميثاق «ثانوية القرن الواحد العشرين» أن «تخضع الشهادات بالتعليم المهني لأنظمة شهادات مبنية على الوحدات التعليمية تكون متكيفة مع تنوع تأهيل المرشحين».
أما في بلجيكا فينص المرسوم حول مهام التعليم الإجباري، هو أيضا، على إمكان حصول الطلبة قريبا على شهادات تكوين مبنية على «وحدات تكوين»، حتى إن لم يدرسوا كل المواد أو يتوفقوا فيها.
وقصد تنسيق تنظيم هذا الاعتراف المرن بالكفايات في البلدان الأعضاء بالاتحاد الأوربي، بادرت اللجنة إلى دفع باحثين لدراسة قابلية استعمال «بطاقة الكفايات» الإلكترونية، «skill' s card» الشهيرة.