زوج المستقبل والكفاءة في الدين والنسب والمال والحرية والصنعة والمهنة والسلامة من العيوب الفاحشة

معنى الكفاءة: المساواة والمماثلة
ومنه قوله ص كما في سنن أبي داود: "والمسلمون تتكافأ دماؤهم".
فالكفاءة: هي المساواة والتقارب بين الزوج والزوجة في المستوى الديني والأخلاقي والأجتماعي والمادي ولا ريب أن تكافؤ الزوجين من الأسباب الأساسية في نجاح الزواج وعدم التكافؤ يُحدث نوعاً من النفرة ويسبب الفسخ والشقاق.
 والكفاءة تشمل:
هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟
أختلف أهل العلم على قولين:
القول الأول: أن الكفاءة ليست شرطاً في صحة النكاح (وهو القول الراجح).
وهو قول جمهور العلماء منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية، وهو مروى عن عمر وابن مسعود (ض) ومما يدل على ذلك:
1- تزويج النبي ص زينب بنت جحش (وهي أسدية من أعلى العرب نسباً) بزيد بن حارثة ص وهو مولى وقصتها في كتاب الله عزَّ وجلَّ فقال الله تعالي: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب 37).
2- تزويج النبي ص (وهو هاشمي) ابنتيه بعثمان بن عفان (وهو قرشي) وقد قال الرسول ص فيما أخرجه الإمام مسلم:
"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
فالهاشمي أعلى درجة في الشرف من القرشي ومع هذا تم الزواج وصح.
3- تزويج النبي ص أسامة بن زيد (وهو مولى) بفاطمة بنت قيس (وهي قرشية) والحديث في صحيح مسلم عندما جاءت تستشير النبي ص في زواجها من معاوية وأبي جهم فقال لها النبي ص: "أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فرجل لا يضع عصاهُ عن عاتقه ولكن انكحي أسامة".
4- أن الفخر في الأحساب من أمر الجاهلية:
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي (ص) قال:
"أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة".
5- قال تعالي: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور 32).
فالفقر في الحال لا يمنع التزويج لاحتمال حصول المال في المآل.
6- أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد:
" أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حُلِيٌ لي فأردت أن أتصدق بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقَّ من تصدقتُ عليهم فقال النبي (ص): (صَدَق ابن مسعود زوُجكِ وولدُك أحق من تصدَّقتِ به عليهم).
فدل على أنها كانت أثري منه بكثير والله أعلم.
- وكذلك زوج النبي ص رجلاً فقيراً لا يملك إلا إزاراً بالمرأة التي جاءت تهب نفسها للنبي (ص).
- وتزوج بلال ض أخت عبد الرحمن بن عوف (ض).
7- أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة (ض): "أن أبا هندٍ حَجَّم النبي ض في اليافوخ فقال النبي (ص) "يا بني بياضة أنكحوا أبا هندٍ وانكحوا إليه".
وأبو هند هو مولى بني بياضة وليس من أنفسهم ثم هو يعمل حجَّاماً وقد كانت هذه الصناعة من أحقر الصناعات في زمانهم.
8- أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة (رضي الله عنها) قالت:
" أشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاؤها فذكرتُ ذلك للنبي (ص) فخَّيرها منزوجها فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده".
- وفي رواية أخرى عند البخاري من حديث ابن عباس: "أن النبي ص قال لها لو راجعتِهِ، قالت: يا رسول الله تأمرني؟، قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه".
ولا يشفع إليها النبي ص أن تنكح عبداً إلا والنكاح صحيح والله أعلم.
فهذا هو القول الأول وهذه هي أدلتهم على أن الكفاءة ليست شرط في صحة النكاح.
والقول الثاني: أن الكفاءة شرط في صحة النكاح (وهو المرجوح).
وهو مذهب الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، والثوري، وبعض الأحناف واستدلوا بجملة أدلة لا يثبت مكنها شيء وما ثبت منها فليس صريحاً في الشرطية ولا يقوى على معارضة ما تقدم من النصوص.
والتحقيق في المسألة أن الإسلام لم يشترط الكفاءة بين الزوجين إلا في الدين والخُلق، كذلك من شروط الكفاءة السلامة من العيوب المُخلة بأغراض النكاح في الإسلام كأن يكون الزوج عِنيناً أو حصوراً لا يأتي النساء أو خنثى.
فلم يشترط الإسلام الكفاءة في النسب وقد مرَّ معنا طرفاً من ذلك، وكذلك فالنبي تزوج صفية بنت حُيي (رضي الله عنها) وهي يهودية وتزوج جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها) وأسرتها مُشركة، وزوَّج أبا العاصي بن الربيع زينب (رضي الله عنها) بنت النبي ص، وقد تزوج الحسين بن علي (ض) أعجمية من الفرس فولدت له علي زين العابدين.
ولم يشترط الإسلام الحرية فقد تزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، كما تزوج ابنه أسامة فاطمة بنت قيس، وزوج أبو حذيفة هنداً بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة (أخته) بسالم مولاه، وتزوج المقداد بن الأسود مولى الأسود بن عبد يغوث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية.
- إذاً فالكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي الكفاءة في الدين.
 قال القرطبي معلقاً ومُعقباً على قصة موسى (ع) مع صالح مدين.
الكفاءة في النكاح معتبرة واختلف العلماء هل هي في الدين والمال والحسب أو في بعض ذلك، والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وقد جاء موسى (ص) إلى صالح مدين غريباً طريداً خائفاً وحيداً جائعاً عُرياناً فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك.
فالراجح: أن الكفاءة المشترطة هي الكفاءة في الدين وهي محل اتفاق بين العلماء.
 قال ابن حجر كما في ( فتح الباري 9/1329): (واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلاً).
 وقال ابن القيم كما في (زاد الميعاد 5/159): (والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج عفيفة لفاجر ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك).
- والأدلة على ذلك متوافرة في الكتاب والسنة:
 أما الأدلة القرآنية
1-  فقوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } (النور 26).
2- وقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } (الحجرات 13).
3- وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات 10).
4- بعد أن ذكر الله المحرمات من النساء قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} ( النساء 24).
ولم يشترط حسباً ولا مالاً فقال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} (النساء 3).
 وأما الأدلة النبوية:
1- ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي (ص) قال: "لا فضل لعربيٍّ على عجمي ولا لعجميٍّ على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناسُ من آدم وآدم من تراب".
2- وأخرج البخاري ومسلم أن النبي ص قال: "إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا".
3-  وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند فيه مقال وحسنه البعض بشواهده من حديث |أبي حاتم المزني (ض) قال: قال رسول الله ص: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٍ كبير".
فهذه الآيات وتلك الأحاديث العامة المُطلقة تبين كفاءة الدين ولم تشترط شيئاً آخر.
- لكن يُستحب لأولياء المرأة النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في بعض الأمور (بجانب الدين) والتي تناسب المرأة وحتى تستمر الحياة الزوجية ولا يحدث نُفرة وشِقاق لوجود فوارق مالية أو علمية أو اجتماعية أو ما شاكل ذلك.
 فعلى سبيل المثال إذا تزوجت طبيبة (مديرة مستشفى مثلاً) بعامل نظافة في تلك المُستشفى (ولا شك أن هذا حلال وجائز) فسيحدث نشوز وتعالٍ ونفور من مثل هذه الزوجة على الزوج في غالب الأحوال.
 كذلك إذا كانت المرأة أكثر مالاً أو تعمل وتنفق في البيت فسيفقد الرجل جزءاً من القوامة ولا يستطيع أن يسيطر عليها وخصوصاً مع قِلة الوازع الديني في هذا الزمان.
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء 34).
فقوامة الرجل على المرأة تكمن في شيئين:
أحدهما: شيء جبلي (وهي ما أختص الله به الرجل في خِلقته).
الثاني: شيء خارج وهو الإنفاق من الأموال سواء كان في الصداق أوفي الإنفاق على البيت.
فبهذين تتم القوامة وتتحقق فإذا أختل أحدهما أختلت القوامة.
فإذا كانت المرأة هي التي تنفق على البيت فلا شك حينئذٍ أنه سيكون لها نصيب من القوامة مما يُحدث مشاكل في البيت وهذا في الغالب ...
وكذلك فالطبيبة لا يحسن بحال أن تتزوج القهوجي والسمكري والصرَّمَي والحذَّاء (مع احترامنا لأصحابها وهذا ليس تقليلاً من شأنهم) وهذا لا يكون في الغالب لاختلاف المستوى الخُلقي والعلمي ولا تقبل وهي صاحبة المنصب والجاه والمال والعلم أن تخضع لمن تفوقت عليه علمياً ومالياً وأخلاقياً وتربوياً، وإن خضعت في مبادئ الزواج فستتضح صورتها عند الشدائد الصِلاب والمشكلات الصِعاب.
وبهذا يتضح لنا مما سبق أنه يستحب لنا النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في باقي الأمر وإن كان هذا ليس شرطاً في صحة النكاح إلا أنه أساساً في استمرار الحياة وعدم النُفرة والشِقاق وهناك أدلة تشهد لما نقول:
1- ما أخرجه الإمام مسلم من حديث فاطمة بنت قيس:
" أنها جاءت تستشير النبي (ص) وقد خطبها معاوية وأبو جهم (ولا شك أن الكفاءة من حيث الدين هنا موجودة فضلاً عن شرف الصحبة ) ولكن النبي (ص) قال لها:
"أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء".
2- ما أخرجه النسائي عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه ض قال: "خطب أبو بكر وعمر (ض) فاطمة فقال رسول الله ص إنها صغيرة فخطبها علىٌّ فزوجها منه".
قال السندي في (حاشيته على النسائي 6/62):
قوله "فخطبها علىٌّ" أي عقب ذلك بلا مهلة كما تدل عليه الفاء فعلم أنه لاحظ الصغر بالنظر إليها، وما بقي ذاك بالنظر إلى علىَّ فزوجها منه، ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلي المؤالفة.
وقد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة (رضي الله عنها) والله أعلم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال