نظرة المجتمع القروي إلى المدرس وتأثيرها على مردوديته



لقد كان فعلا دور المدرس في السبعينات دورا متشعبا ومهما جدا حيث ان رجال التعليم، وحسب ما أشار إليه الدكتور محمد عابد الجابري، ليسوا معلمي صبيان فحسب بل أن مهمتهم في الحقيقة أوسع من ذلك وأعمق، حيث أنهم الأداة التي لا يمكن ان يتحقق التغير بدون مساهمتها الفعالة والمتواصلة.

وبالتالي كان دور المدرس يتجلى في قيادة المجتمع بشكل عام والقروي بشكل خاص نحو الحضارة والتقدم حيث بيده مفتاح التوعية ومحاربة الأمية وحل بعض المشكلات المستعصية للدوار الذي يتواجد فيه، هذا كله بجانب مهمته الصعبة داخل القسم.

ومن الطبيعي جدا أن يجلب هذا كله للمدرس الاحترام والتقدير لأن دوره مهم ومركزي حيث لا يستطيع احد من أفراد المجتمع أن يفقد تعاطف وتعامل هذا المدرس لأنه ربما قد يحتاج إليه يوما ما في حل مشكلته.

أما في الوقت الراهن وبعد عقد الثمانينات بدأت تتراجع نظرة المجتمع المغربي بشكل عام والقروي بشكل خاص اتجاه هذا الرجل الذي يحمل المعرفة ولا ادري هل لكثرة عددهم أم أن وراء الأمر خطة مدروسة؟ فأصبح المدرس بالنسبة للمجتمع القروي مجرد موظف عادي مثله مثل الآخرين أو أدنى منهم إذا ما حاولنا مقارنة مكانته مع مكانة موظف يعمل في الجماعة القروية الذي قد يحتاج إليه في إعداد وثيقة إدارية كعقد الازدياد مثلا، أو مع مكانة الشيخ أو  الدركي الذي يشكل مصدر خوف لدى السكان.

هذا في الوقت الذي ينسى فيه المواطن بان الدركي والشرطي، الممرض، المهندس، القائد والوزير وكل الموظفين قد كانوا تلاميذ عند المدرس وقد مروا بيده ولولاه لما كانوا في تلك المكانة.

ومن هنا يمكن القول بان نظرة المجتمع القروي إلى المدرس قد عرفت تغيرا ملحوظا جدا، هذا ما أثر بشكل كبير على مردودية المدرس وعلى مهمته وبالتالي على العمل التربوي والتعليمي بشكل عام.

ولا يمكن لنا الحديث عن أزمة التعليم المستعصية دون أن ننظر إلى الوضعية السوسيوتربوية لقائد العملية التعليمية الذي هو المدرس والذي يعاني كذلك من مشاكل داخل المدرسة من كثرة المهام المنوطة إليه وكذلك من تصرفات بعض المديرين ومن المشاكل التي تتخبط منها الإدارة التربوية بصفة عامة وبسبب التفاوت الفكري والعقلي للأجيال (جيل المديرين وجيل المدرسين) وكذلك لسياسة التقشف التي تمارسها الدولة اتجاه التعليم ففي بعض الحالات تجد مدارس لا تتوفر على الطباشير كأقل ما يمكن توفره في حين أن المدرسة في الدول الغربية تتجه نحو استعمال الوسائل التكنولوجية من كومبيوتر وانترنيت.

وتجدر الإشارة كذلك إلى انه إذا كانت نظرة المجتمع قد تغيرت اتجاه المدرس نظرا لتغير الحياة العامة والظروف كلها بشكل عام وذلك بسبب ما يعرفه العالم من تطورات سريعة مما أذى كذلك إلى ضرورة تغيير البرامج والمحتويات وكذلك الأساليب المعتمدة في التربية بصفة عامة وفي التعامل مع الأخر، فإنه أصبح من الضروري كذلك على هذا المدرس أن يغير من أساليبه وأن يتأقلم مع هذه التغيرات الجديدة والتي تفرض عليه ضرورة التسلح بالعلم والمعرفة الضروريين وان يعمل على تفادي المنافسة التي يعاني منها.

فما هي إذن القدرات والكفايات التي يجب أن يتوفر عليها المدرس اليوم لكي يمسك مقود العمل التربوي والتعليمي بشكل جيد؟
وبماذا يجب أن يتسلح المدرس خلال معركته التربوية؟