ديداكتيك اللغات بين اللسانيات وعلم النفس والاجتماع.. تعدد الأصول النظرية للديداكتيك من تعدد الحقول والخطابات المنتجة حول تعليم وتعلم اللغات

ما ينبغي الإشارة إليه بدءا هو أن خطاب ديداكتيك اللغات لا تقتصر أصوله النظرية على اللسانيات وحدها، بل تتعدد هذه الأصول، ويتقاطع فيها عمل المنظر و الممارس، الجامعي و المكوِّن، اللساني والسيكولوجي والسوسيولوجي و الإعلامي... وجميع الحقول المعرفية و النظرية و الأبحاث المؤثرة بكيفية مباشرة أو غير مباشرة على ميتودولوجيا تعليم وتعلم اللغات.

ويأتي تعدد الأصول النظرية للديداكتيك من تعدد الحقول و الخطابات المنتجة حول تعليم و تعلم اللغات، خاصة اللسانيات والصوتيات والسوسيو لسانيات و السيكولسانيات... دون إغفال نظريات التعلم الذي أنتجتها أبحاث سيكولوجيا التعلم وسوسيولوجيا التعلم، وكذلك، دون إغفال العلوم الأخرى التي اهتمت بالمجال السوسيو ثقافي كالاقتصاد والتاريخ والجغرافيا وعلوم عريقة مثل الأدب والفلسفة التي دخلت ديداكتيك اللغات بفضل السيمولوجيا و السيميوطيقا و الأنثربولوجيا... لكن مع التأكيد على أن اللسانيات هي التي تشكل الحقل المرجعي الأساس و الحاسم في البحث الديداكتيكي اللغوي، باعتبار أن العديد من النماذج الديداكتيكية تستند في مجالا تعليم اللغات على نظريات و مقاربات لسانيات مثل الطريقة السمعية البصرية و الطريقة المباشرة ( ذ.المصطفى بوشوك، 1990، ص 42) و مثل السمعية النطقية... التي أعطت نتائج باهرة سنعود إليها لاحقا.

كما أنه لا يطرح على المهتم بالديداكتيك مسألة التفاضل بين النظريات، أو الانتصار لنظرية معينة أو اتجاه معين بالمنحى الإقصائي للنظريات و الاتجاهات الأخرى، إذ أن منطق الديداكتيك كعلم معاصر لم يعد يقبل التفسيرات الجاهزة و الأحاديات البعد، إذ لا موقع للنزعات الاختزالية في منطق الديداكتيك ذي المنحى الإجرائي / البراغماتي الواضح.

فعلى مستوى سيكولوجية التعلم يمكن للديكاتيكي- مثلا- أن يستفيد من النظرية السلوكية في موضوعة اكتساب اللغة رغم إغراقها في الأمبريقية، واختزالها عملية اكتساب اللغة في معادلة (مثير- استجابة – تعزيز)، لكن لا يمكنه إغفال الاهتمام المتميز الذي أولته للبيئة و لعملية التعلم وقوانينه ومبادئه الأساسية في سيرورة اكتساب اللغة...

كما أنه لا يمكنه إلا أن يستفيد من النظرية التوليدية رغم إغراقها في العقلانية، بحيث لا ينبغي إغفال تأكيدها على الجانب الإبداعي للغة و بنياتها العميقة في عملية اكتساب اللغة بالنسبة للطفل المتوفر على استعدادات فطرية لاكتساب اللغة و الإبداع فيها.

كما تفيده اللسانيات التصنيفية على مستوى تقنيات التفريع segmentation و إعادة تمارين التحويل و الاستبدال.

وتفيده اللسانيات التداولية في ميكانزمات التلقي ووظائف التأثير التواصلي وغيرها من الظواهر المتعلقة بقطاع التعليم... غير أن ما يعنينا الآن أساسا هي هموم الميدان، والأسئلة التي تطرحها الممارسة داخل القسم (Sophie Moirand ;1986,p :95 أو حسب السؤال الإجرائي لفرانسوا ماريه: F. Mariet كيف يمكن تقننة النظريtechnisation: (5) ليستفيد منه الممارس داخل القسم؟

وكيف يمكن تحديد معالم منهجية لاكتساب المتعلم المغربي النسق العربي الفصيح في بيئة لغوية تتميز بالتعدد اللغوي؟

وحيث إن هذا لا يشكل بالضرورة اللغة الأم للطفل المغربي، وحيث إن المدرسة ملزمة مبدئيا بجعله يتحكم maîtriser في هذا النسق نتيجة لعدة اعتبارات حضارية هوياتية و إيديولوجية و سياسية و اقتصادية و تعليمية... وحيث يتعامل الطفل مع هذا النسق في سن متأخرة نسبيا (السادسة أو السابعة) بعد أن يكون قد استضمر أنساق لغوية مغايرة مهما يكن بينها وبين النسق العربي الفصيح من تناغم أو تنافر؟ وحيث إن هذا النسق يفتقر إلى وسط طبيعي للتداول؟
أحدث أقدم

نموذج الاتصال