قد تكون الحكمة مرمية على قارعة الطريق أو في أفواه المجانين أيضا.. اقرؤوا كل ما يصادفكم حتى الأوراق المرمية في الشارع لا تتركوها

اقرؤوا كل ما يصادفكم حتى الأوراق المرمية في الشارع لا تتركوها
هذه هي النصيحة التي كانت تحتل دائماً المرتبة الأولى على قائمة النصائح التي كان يرددها مدرسي ذهاباً وإياباً أمام السبورة عندما كنت في أول ابتدائي ليشجعنا على القراءة ولندرك أهميتها.
والطريف في الأمر أنني طبقت الجزء الأخير فقط من النصيحة بالحرف الواحد، إذ كلما يرسلوني إلى محل أو سوق لشراء شيء ما أتتبع بالنظر الأوراق المرمية في الشارع، وما إن وجدت واحدة منها مكتوبة بالعربي إلا وأستجمع كل قواي والحماس يتأجج في عروقي وأقف في قارعة الطريق دون أن آبه بحرارة الشمس أو لما يدور حولي لأفك شفرة الكلمات المكتوبة على الورقة التي أجدها ,ولا أخفيكم سراً كنت أعاني وأتعب وأتصبب عرقاً وأنا أنطق كل حرف على حداه ثم أجمع الحروف على بعضها لأنطق الكلمة ,وكنت أفرح وأقفز كالقرد هنا وهناك إذا نطقت هذه الكلمة التي بذلت فيها المجهود بشكلها الصحيح, ومرت الأيام وتجاوزت المرحلة الابتدائية والإعدادية ولازلت أقرأ الأوراق التي أجدها في طريقي وفي ( تلك الفترة) كنت كلما أدخل غرفتي أقف ساعات أمام المرآة وأفكر في الجمال ومحاسنه، واسرح شعري يميناً وشمالاً وأقول لنفسي لو كنت كذا لكان كذا...
وكالعادة وجدت ورقة في طريقي ... نعم كانت مرمية تشكوا إهمال القراء..و كان في هذه الورقة قصة غيرت نظرتي للجمال رأساً على عقب... هذه الورقة تحكي قصة معاناة عاشتها فتاة كان السبب فيها جمالها الفاتن.. أي نعم السبب جمالها الفاتن..تقول هذه الفتاة وهي تحكي قصتها: لقد تحولت حياتي إلى جحيم لا يطاق ... لم أتذوق طعم السعادة... لم أعش لحظات النجاح.. لم أعش لحظات الكفاح من أجل مستقبل وتحقيق الذات كنت أقول إن مستقبلي مضمون... جمالي هو كفيلي ... بيد أن ح كان اهتمامي بنفسي شغلي الشاغل.. كنت أملك الجمال بمعنى الكلمة.. بكل المقاييس.. ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا  و أجد فيه معجبين.. واحد تلو الآخر.. الهدايا لا تتوقف.. أهملت دراستي وقلت ما الداعي للتعب والسهر.. والراحة على الأبواب تناديك هلمّي...  كنت أقول ستتزوجين أحد الأثرياء وستعيشين حياة الملوك.. وفعلاً تقدم لي أحد الأثرياء، وبزواجي منه بدأت رحلة تعاستي ومعاناتي... ودعت الثقة في نفسي وفارقتها دون رجعة... غيرة فوق الخيال لدرجة أنه كان يغار من نظرات الرجال  حتى ولو كانت عابرة.. شكوك وراء شكوك حتى صارت أُنسى.. ما من يوم إلا والشجار قائم بيننا.. فقدت لغة الحوار والتفاهم بيننا.. وليس لي ذنب في كل ما يجري غير أني جميلة... حرمني من الخروج إلا برفقته.. أصبحت حبيسة الجدران ... لا يأخذني معه إلا ليتباهى أمام الناس بجمالي ... تمنيت لو بت ليلة كأي امرأة بهدوء في كنف زوجي و لكن كانت هذه الأمنية ضرب من الأحلام... خلافات دائمة حولت ليلي لنهار... ضرب وشتم.. وانتهت رحلة المعاناة بمحطة الطلاق.. تقدم لي العديدون ولكن ليس لأن أكون زوجة تعيش في بيت زوجها معززة مكرمة وإنما لنزواتهم العابرة، لا أحد يثق بامرأة يرغب فيها كل الرجال، هذه كانت نتيجة جمالي وغروري... لا تعليم، لا شهادة ولا زوج يخاف علي ويحميني من ذئاب البشر وأعيش في كنفه بأمان.
الخلاصة: الجمال ليس جمال الشكل وإنما الجمال هو جمال الروح والخلق.. الجمال هو جمال العلم والإيمان.. العفة والأدب والحشمة.
ومن يوم أن قرأت هذه القصة التي وجدتها مرمية في طريقي وأنا أدعو لمدرسي بمداد العمر.
ياتي كلها صارت بلا طعم.. بلا هدف... عذاب في عذاب.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال