إدخال السرور على قلوب الناس عند المسلمين عبادة، وعمل يعد من أجلّ القربات التي يتقرب بها المؤمن إلى خالقه.
ومع إطلالة عيد الأضحى المبارك الذي شهدت أمس أول أيامه تزداد الحاجة للتذكير بفن إدخال السرور، خصوصا على كثير ممن لوّحت لهم الأفراح بيدها مودعة، وغادرتهم وكأنها لا تود الرجوع إليهم طول المدى، وأدارت البهجة لهم ظهرها وأعرضت ونأت بجانبها.
ذات مرة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحبّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا -في مسجد المدينة - ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له ثبّت الله قدمه يوم تزول الأقدام".
العيد شرع ضمن ما شرع له ليكون يوما أو أيام فرح وأكل وشرب وتوسعة وترويح عن نفوس العباد، لكنه في ظل أوضاع الأمة ليس كذلك في العديد من مناطق عالمنا العربي والإسلامي التي تعاني من ويلات الاحتلال ومآسي الحصار والتضييق، وآهات التشرد واللجوء، وآلام الفقر والعوز والنكبات والكوارث، الأمر الذي يوجب على باقي الأمة أن تسعى لأن تركّز على إدخال السرور والبهجة على أهل هذه المناطق بشكل خاص، وتسعى لأن تتضامن معهم في مصابهم، وتشعرهم أنهم جزء من جسمها الواحد، مهما تباعدت المسافات، وأنه لا فرح ولا سعادة ولا راحة لها إن لم يفرحوا معها، وإن لم ترتسم البسمة على وجوههم.
إن الناس هناك بحاجة إلى يد حانية تربّت على أكتافهم، وتمسح دموعهم، وتخفف من مصابهم، وتقوي من عزائمهم، وتبلل ريقهم بماء رقراق.
إن في إدخال السعادة على قلوب الناس سعادة لا تحس بها إلا نفوس طاهرة تقية أرهف حسها الإيماني، ويممت وجوهها شطر دروب الخير المضاءة بنور الله، وكانت مطمئنة إلى ما أعده الله لمن شمر واجتهد في هذه الطاعة، كما ورد في الحديث الشريف " من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة".
وأبواب إدخال السرور على عباد الله كثيرة تبدأ بتلقيهم بالبشر والابتسامة والوجه الطلق، وتبشيرهم بالخير والأخبار السعيدة المفرحة، وتمتد لإشباع جوعتهم، وكسوة عاريهم، وقضاء حاجاتهم، وتفريج كربهم، وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ فقال: "إدخالك السرور على مؤمن؛ أشبعت جوعته، أو كسوت عورته، أو قضيت حاجته".
ما أحوجنا لاسيما ونحن نعيش فرحة العيد، أن نستحضر هذا الفن ونتفيأ ظلاله، ندرب ونجاهد أنفسنا عليه حتى يصبح سلوكا وممارسة، ونرتاد آفاقه من أبوابه المختلفة، ونرجو أجره ومثوبته.
التسميات
من الحياة