قمامة التاريخ.. تركيز الاشتراكية على التجهيزات الميكانيكية والصناعة المعملية وعدم الاهتمام بالزراعة والعمل الفكري

إن التركيز القوي الذي قامت به الاشتراكية، على التجهيزات الميكانيكية، وطريقتها في التركيز على الصناعة المعملية، وعدم اهتمامها بالزراعة وبالعمل الفكري، كل هذا يؤلف العمود الثالث، الذي انهار وتهدم.

ففي الأعوام التي تبعت ثورة عام 1917، وعندما كان المال ضئيلاً لا يقوم بعبء بناء معامل الصلب، والسدود، ومصانع السيارات، التي كان الروس بحاجة إليها، تبنىّ القادة السوفييت نظرية التراكم الاشتراكي البدائي، الذي وضع خطوطه الاقتصادي E.A . PREOBRAJENSKL ! ويرى هذا الرجل، أنه يمكن أن نأخذ من الفلاحين، ذلك الرأسمال الضروري، عن طريق تخفيض مستوى حياتهم بالقوة إلى الحد الأدنى. وهكذا نحصل على الفوائض التي ستستخدم في تغذية الصناعة الثقيلة، ودفع أجور العمال.

وكنتيجة لهذا الانحياز إلى الصناعة، على نحو ما يُقال في الصين، صارت الزراعة وما تزال، قطاعاً منكوباً، في كل الاقتصادات الاشتراكية تقريباً.

وبتعبير آخر نقول: إن البلاد الاشتراكية تابعت العمل ضمن استراتيجية الموجة الثانية، على حساب أفراد من الموجة الأولى.

وزيادة على ذلك، فإن الاشتراكيين لم يحرموا أنفسهم من احتقار الخدمات وأصحاب الياقة البيضاء.
ووضع العمل الجسدي (الفيزيائي) في منصة الشرف، لأن الهدف الأول للاشتراكية كان"التصنيع" بالقوة. وكان هذا الموقف الكثير الشيوع يتوازى مع الانتباه المركز على الإنتاج، لا على الاستهلاك.

وكان الماركسيون الأنقياء، والقساة، يؤكدون الفكرة القائلة بأن الإعلام، والفن، والثقافة، والقانون، وكل إنتاج آخر للفكر ولا يصنع باليد"... كل هذه تنشأ" كبنية علوية فوقية"معلقة، إذا صح هذا التعبير، فوق"القاعدة الاقتصادية للمجتمع، على حين أنّ الرأي العام يرى أنه لابد من نوع من التفاعل بين الشيئين، يجد فيه كل واحد منهما ينعكس على الآخر. كانوا يرون أن البنية التحتية هي التي تحدد نوعية البنية الفوقية، وليس العكس. وأولئك الذين كانوا يؤمنون بالرأي المعاكس، كان ينظر إليهم"كمثاليين".
وهذه صفة كانت في ذلك العهد لا يمكن أن يوصف الإنسان بما هو أسوأ منها.

وكان الماركسيون يعتقدون أن للعمل الشاق أو العضلي من الأهمية أكثر مما للعمل العقلي. ولكن الثورة المعلوماتية برهنت على أن العكس هو الصحيح.

ومع ذلك فإن المجتمعات ليست مجرد مكنات، ولا مجرد حواسيب، ولا يمكن أن تردّ إلى العمل اليدوي وحده، ولا إلى العمل العقلي وحده، ولا إلى القاعدة من تحت، والبنية العلوية من فوق. فإذا وضعت لهذا كله، صيغة أكثر دقة من هذا، قلت: إن المجتمعات تتألف من عدد كبير من العناصر.

وإن هذه تتواصل فيما بينها، وفيما يشبه الفعل ورد الفعل، ولكن بتعقيد كبير في بنية هذا التآثر، وإن هذا كله يظل، كمجموعة حلقات ينعطف تآثرها بعضه على بعض. وبمقدار ما يزداد التعقيد ويتنامى يصبح أكثر حيوية لاقتصادها واستمرار بقائها البيئي.

والخلاصة، إن هذا الاقتصاد الجديد، ذا المادة الأولية أو المواد الأولية التي لا تلمس ولا تحس، قد أحسن الانطلاق كمقابل لاشتراكية عالمية، لم تكن مهيأة له. إن صدمة الاشتراكية بالمستقبل كانت شؤماً عليها.

 ([1]) يطلق رجال"المعلوماتية" على كلمة linformatique اسم"علم المعلوماتية. وأظن أن هذا الإصطلاح غير موفق.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال