الأمن القومي العربي وإدراك المخاطر والتحديات التي تواجهه



الأمن في اللغة هو نقيض الخوف وهو يعني الطمأنينة والاستقرار والتخلص من الخوف من الخطر سواء كان داخلياً أم خارجياً والأمن في الشرع يعني الدفاع عن الأمة وعقيدتها ومثلها ومبادئها وقيمها وتراثها وأرضها ويقوم الأمن بلا شك على القوة Force والقدرة Power على تحقيق الهدف المنشود وقد استعمل مصطلح الأمن بمفاهيم ودلالات مختلفة في التراث العربي. ففي كتاب سلوك المالك في تدبير الممالك لشهاب الدين بن أحمد عمر ابن أبي الربيع نجد أن الأمن كمصطلح لا يقتصر على الجانب العسكري وقدرة المؤسسة العسكرية على شن الحروب، وإن كان لهذا الجانب أهمية كبرى، بل يمتد ليشمل العمل الدبلوماسي وحزمة الخيارات المتاحة التي يطلق عليها اسم الحيلة لتحقيق الهدف وبالنسبة لأبي الحسن الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين نرى أن الأمن هو أمن الحكم والمحكومين، والأمن هو الراحة والطمأنينة، إنه أمن تطمئن إليه النفوس، وترتفع فيه الهمم، ويسكن إليه البريء، والأمن عنده أهنأ عدة والعدل أقوى جيش. وقد وضع الماوردي ستة أسباب كي تصبح أمور الدنيا منظمة، وهي دين يتبع، سلطان قاهر، عدل شامل، رحب دار، أمل فسيح، وأمن عام، والأمن عنده يبنى على القوة العسكرية والاعتبارات القيمة.
وإذا انتقلنا إلى ابن خلدون وجدنا أن هذا المصطلح يعادل القوة لأنها سر وجود الدولة وسبب استمرارها واستقرارها فإن وجدت القوة وجدت الدولة، وإن غابت القوة زالت الدولة من الوجود، وتتجسد القوة بالملك والجيش من جهة والمال من جهة أخرى، ويلخص ابن خلدون الأمن بأنه الأمن من الهزيمة، وللحيلولة دون ذلك لا بد من مضاعفة الحذر، القوة، والاقتدار، التحشد، الدفاع والحماية.
وفي الأدبيات الغربية نجد أن مصطلح الأمن تعددت دلالاته ومعانيه ففي كتابه الأمير يرى نيكولا ماكيافيلي (1469-1527) أن الأمن مرهون بالقضاء على المنافسين، لأن القاعدة العامة بالنسبة إليه تقول "من يسمح لأي كان بأن يصبح قوياً يدمر ذاته".
ويربط والترليبمان Walter Lipman بين الأمن والحفاظ على المصلحة. فيقول الأمة الآمنة هي التي لا يتحتم عليها التضحية بمصالحها المشروعة لتجنب حرب ما، وفي الوقت نفسه تكون قادرة، إذا ظهر في وجهها أي تحد، على حماية مصالحها الحيوية باللجوء إلى الحرب.
ويعرف روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، الأمن بأنه التنمية وبدون تنمية لا يوجد أمن.
وفي الأدبيات الإسرائيلية نجد أن الأمن يتحول إلى قيمة بحد ذاته، كما يعتقد بعض الباحثين الإسرائيليين، أو دينٍ يوازي في أهميته الدين اليهودي، أو هو في مثل قوته من حيث الأهمية، لأنه القاسم المشترك الأعظم والقوة الواحدة والوحيدة التي تستطيع أن توحد المجتمع الإسرائيلي، هذا البحر الزاخر بالمتناقضات لأن الإحساس بالافتقار إلى الأمن هو الذي يجمع بين الإسرائيليين، وكما تقول عالمة النفس الإسرائيلية عاميا ليبليخ أن الحرب في إسرائيل جزء من الماضي ومن الحاضر والمستقبل. إن الأسئلة المعتادة في حياتنا: ما هو الوقت الباقي حتى الحرب القادمة؟
"إن التعايش مع الحرب.. أي الحياة على خط النهاية.. كان ولا يزال جزءاً من حياتنا".
بعد هذا الاستعراض المكثف جداً لبعض معاني مصطلح الأمن ودلالاته، يأتي السؤال: كيف يجب أن نفهم أمن الممرات المائية العربية؟
1-أولا إنه جزء أساسي من الأمن القومي كمفهوم شامل يتداخل فيه الداخلي والخارجي، القطري والقومي، الإقليمي والدولي، وإن هذا المدرك أمر نسبي وليس مطلقاً، وهو ظاهرة حركية وتطور وليس حاله جامده أو سكونيه.(12).
2-والأمن يتطلب إدراك المخاطر والتحديات التي تواجه هذه الممرات المائية العربية، باعتبار أنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الشامل والعمل بكل السبل لمواجهة هذه التحديات.
3-ولا بد أن يعني الأمن صيانة الحقوق العربية في الممرات المائية العربية والمقصود بالحق هنا وصف لنموذج من الترتيب المؤسس تضمن فيه المصالح بحمايات قانونية، وتكون الخيارات ممهورة فيه بنتيجة فعلية وتعطى فيه الخبرات والفرص على أسس واضحة: ويجب أن تشمل الحقوق العربية ما يعرف بالحقوق الدولية الوضعية التي تقوم على جملة الاتفاقات النوعية، (معاهدات، تصريحات، بروتوكولات)، تعقدها الدول فيما بينها وتحترمها، والحقوق الدولية العرفية غير المكتوبة والقائمة على جملة الأعراف التي ولدت في مجرى التاريخ وطبقت باتفاق غير رسمي.
4-استناداً إلى الترابط بين الأمن والحفاظ على المصالح وعدم الاضطرار تحت تأثير الإكراه والقوة، للتخلي عنها، لا بد أن يتضمن ذلك زيادة المصالح العربية في الممرات المائية العربية واستثمار منافعها بالشكل الأمثل.
5-القدرة على تنمية هذه الممرات وتحسينها لزيادة مردودها الاقتصادي. 
حمد سعيد الموعد


المواضيع الأكثر قراءة