أشكال الحوافز السردية.. التحفيز التأليفي أو التركيبي. التحفيز الواقعي. التحفيز الجمالي



 تصنيف ودلالات الحوافز السردية 

من المعلوم أن النص السردي عبارة عن جمل، وتتضمن كل جملة سردية حافزا أو حدثا أو وظيفة ما.
ويتخذ الحافز دلالات عدة ومختلفة من حقل معرفي إلى آخر.
وقد يعني الحافز وحدة غرضية، مثل: اختطاف الخطيبة... ومن هنا، فالمتن الحكائي عبارة عن مجموعة من الحوافز المتتابعة سببيا أو زمنيا.

في حين، يعنى المبنى الحكائي بتلك الحوافز نفسها، حسب انتظامها داخل العمل الأدبي ترتيبا وصياغة وبناء وتركيبا. ويعني هذا أن الحافز عبارة عن حدث حكائي، بينما المبنى هو بمثابة صياغة فنية وشكلية له.

أهمية الحوافز والوظائف الأساسية مهمة للمتن الحكائي

هذا، و يمكن الحديث عن نوعين من الحوافز والوظائف: حوافز أساسية وثابتة ومشتركة لايمكن الاستغناء عنها، وهي متتابعة سببيا وزمنيا، وحوافز حرة هي التي يمكن الاستغناء عنها، دون الإخلال بالتتابع الزمني والسببي للأحداث، مثل: الوظائف الثانوية، والمؤشرات الجوية.

وإذا كانت الوظائف الأساسية مهمة للمتن الحكائي، فإن الوظائف والحوافز الثانوية هي مهمة على صعيد المبنى الحكائي.أي: إن الحوافز المشتركة تتصف، وحدها، بالأهمية بالنسبة للمتن الحكائي.أما في المبنى الحكائي، فالحوافز الحرة هي التي تقوم، على وجه خاص، بدور مهيمن محددة بناء العمل.

إن هذه الحوافز الهامشية (التفاصيل إلخ) تستعمل بسبب البناء الفني للعمل (الأدبي)، وهي تتضمن وظائف مختلفة.ويتحكم التقليد الأدبي، في الجانب الأكبر من استعمال تلك الحوافز، كما تتميز كل مدرسة بذخيرة من الحوافز الحرة، بينما تتجلى الحوافز المشتركة- وهي، على العموم، أشد حيوية من غيرها- على الصورة نفسها في أعمال ومدارس متباينة .إنه يمكن للتقاليد الأدبية ، طبعا، أن تقوم بدور ملحوظ، أيضا، في تطور المتن الحكائي.

ولشرح هذه الحوافز والوظائف الأساسية والحرة، يمكن الاستشهاد بهذا المقطع السردي: رن جرس الهاتف، كان علي شارد البال، مهموم الحال، يدخن سيجارته بشره كبير، نهض من كرسيه بصعوبة، اتجه نحو النافذة، أطل منها على المدينة، كان الجو ممطرا وحزينا، فتح النافذة، أحس بقشعريرة برد تهاجم جسده النحيل، أغلق النافذة، واتجه نحو الهاتف الذي كان يرن مرات عدة، أخذ السماعة، ثم قال: ألو...

يتضمن هذا المقطع الرئيسي حدثين أو حافزين أساسيين هما: رن جرس الهاتف والرد عليه. والباقي من الحوافز والوظائف عبارة عن أحداث ووظائف وحوافز حرة وثانوية وتفاصيل تخدم المبنى الحكائي.

في حين، تساهم الأحداث الأساسية في تعضيد المتن الحكائي وتقويته سرديا.كما تحضر المؤشرات الجوية باعتبارها فضلات سردية تكميلية (كان الجو ممطرا وحزينا، أحس بقشعريرة برد تهاجم جسده النحيل...)

ويعني هذا أن الأحداث الرئيسية هي حوافز ووظائف أساسية ومشتركة. بينما التفاصيل والوصف هي أحداث ثانوية، ويمكن أن ندخل ضمنها المؤشرات الفضائية والجوية بشكل من الأشكال، أو تستقل عنها كما عند رولان بارت (R.Barthes) في مقاله الذي خصصه لدراسة السرد البنيوي.

الحوافز الديناميكية والحوافز القارة في المتن الحكائي

ومن جهة أخرى، يميز توماشفسكي بين الحوافز الديناميكية والحوافز القارة. بمعنى أن الحوافز الديناميكية هي التي تغير الوضعيات السردية داخل مسار الحكي، كأن ننتقل من وضعية الحب إلى وضعية الفراق، أو من وضعية انتصار إلى وضعية انهزام، إلخ... أما الحوافز الثابتة أو القارة، فهي التي لاتغير الوضعية.

وهكذا، يعتبر وصف الطبيعة والمكان والوضعية، ووصف الشخصيات وطبائعها إلخ، من وجهة نمطية، حوافز قارة؛ أما أفعال وتحركات البطل فهي، من الوجهة نفسها، حوافز ديناميكية.

إن الحوافز الديناميكية هي، بالنسبة للمتن الحكائي، حوافز مركزية أو محركات.خلافا لذلك، يقع التأكيد، في المبنى الحكائي، على الحوافز القارة، أحيانا. إنه من الممكن، وبسهولة، توزيع الحوافز حسب أهميتها بالنسبة للمتن الحكائي.

فالحوافز الديناميكية تأخذ الصدارة، تتلوها الحوافز الممهدة، فالحوافز التي تحدد الوضعية إلخ، وتبرهن المقارنة بين عرض مركز للسرد وآخر متراخ، عن أهمية الحافز بالنسبة للمتن الحكائي. "

ويناء على هذا، يمكن التمييز أيضا بين شخصية دينامكية ونامية ومعقدة تتطور من وضعية إلى أخرى، وشخصية ثابتة وقارة لاتتغير عبر مسار السرد.

حوافز التقديم في العمل الأدبي

ومن ناحية أخرى، يمكن الحديث عن نوع آخر من الحوافز التي سماها توماشفسكي بحوافز التقديم، وتسمى عند السيميائيين (گريماص مثلا) بالتطويع أو التحفيز، ويكون الحديث عنها حينما نكلف البطل أو شخصا ما بأداء مهمة ما بغية إنجازها، كأن يطلب الملك من البطل إرجاع ابنته المخطوفة، أو يكلف البطل بأداء مهمة عسكرية بغية سحق العدو، وهكذا دواليك...

هذا، ويشترط في العمل الأدبي أن يكون محفزا وخاضعا للتحفيز.أي: تترابط فيه الحوافز بشكل متسق ومنسجم، ويكون هذا الترابط إما سببيا وإما زمنيا وإما غرضيا.

وفي هذا، يقول توماشفسكي: يجب على نظام الحوافز، التي تشكل نسيج أغراض عمل ما، أن يعبر عن وحدة جمالية. فإذا كانت الحوافز، أو مركباتها، غير متسقة اتساقا كليا داخل العمل، أو بقي القارئ غير راض عن الصلة فيما بين هذا المركب والعمل بأجمعه، فإنه يقال إذ ذاك بأن هذا المركب لا يلتحم بالعمل.إذا كانت أجزاء العمل سيئة الاتساق، فإن العمل ينحل.

وهذا يبين لماذا يجب أن يكون إدراج كل حافز مستقل أو كل مجموعة من الحوافز أمرا مبررا (محفزا).
إن نظام الأنساق، الذي يبرر إدراج حوافز معينة أو إدراج مجموعاتها، يسمى تحفيزا (Motivation).

وعليه، فالتحفيز أنواع عدة على مستوى التركيب النصي، أو بالنظر إلى طبيعتها أو خاصيتها، ويمكن إجمالها في أنواع ثلاثة:

- التحفيز التأليفي أو التركيبي (Compositionnelle) في التركيب النصي:

ثمة مجموعة من المحفزات- التي ترد في شكل حوافز مستقلة أو مؤشرات ثانوية أو إكسسوارات أو أوصاف - تساعد القارئ المتلقي على تصور القصة، وتبين مراحل تركيبها.ويعني هذا أن هناك حوافز ومؤشرات سيميائية وجوية تساعد المتلقي على بناء القصة من البداية حتى النهاية.

فحينما يوضع السيف على الجدار في بداية القصة، نعرف أن القصة ستنتهي بالموت. وينطبق هذا على المسدس الذي يوحي بالجريمة، والحبل الذي يوجد في الشجرة، وهو يؤشر على عملية الانتحار من بداية النص. كما تساعدنا حالة الجو على استكشاف الجو الرومانسي، إذا كان هنا حالة غروب، أو نتصور الموت، إذا كان الجو ريحا أو إعصارا ...

لكن قد تكون هناك مؤشرات زائفة توهمنا بأشياء غير حقيقية، كما يظهر ذلك جليا في الروايات البوليسية أو روايات الجريمة، فتكون تلك الحوافز خادعة ومزيفة، توهم القاري بغير الحقيقة.
ومن ثم، فإن أنساق التحفيز المزيف كثيرة الورود خصوصا في الأعمال القائمة على تقليد أدبي عظيم.
إذ يعود القارئ على تأويل كل تفصيل من تفاصيل العمل بطريقة تقليدية.وتنكشف الذريعة، في النهاية، فيفهم القارئ أن كل تلك التفاصيل قد أدرجت لهدف وحيد: هو إيجاد حل غير متوقع.

إن التحفيز الزائف هو أحد عنصر المعارضة الأدبية. بمعنى التلاعب بأوضاع أدبية معروفة تنتمي إلى تقليد أدبي متين، وتستعمل من طرف الكتاب بوظيفة غير تقليدية.

إذاً، فالتحفيز المؤلف هو تحفيز علاماتي، يرد في شكل مؤشرات بصرية وسيميائية وحالية، تساهم في تركيب القصة في مراحلها وتوقعاتها السردية الممكنة والمفترضة.

- التحفيز الواقعي (Réaliste) في التركيب النصي:

هو الذي يوهم بواقعية العمل الأدبي، وبصدق المتخيل في علاقته بالعالم الذي ينقله أو يعكسه. أي: نطالب كل عمل بوهم أولي، على أساس أن يكون هذا العمل، بعوالمه الممكنة، محتمل التحقق في واقع القارئ المرجعي أو الحسي.

بمعنى أن يعقد القارئ مقارنة أو تطابقا مرآويا بين المتخيل والعالم الذي يعيش فيه، باحثا عن أوجه الشبه بين الشخصيات المتخيلة والشخصيات الواقعية، فيعنى بمظاهر الصدق والحقيقة والصواب.

وهكذا، يكتسي الوهم الواقع، بالنسبة لقارئ مطلع، شكل مطلب احتمال.فعلى الرغم من معرفته التامة بالخاصية الابتداعية للعمل، فإن هذا القارئ يطالب بنوع من التطابق مع الواقع، ويرى قيمة العمل في هذا التطابق.وليس بإمكان القراء أن يتحرروا، سيكولوجيا، من هذا الوهم، نظرا لقوانين التركيب الفني.

وهكذا، فقد كانت الرواية الواقعية نموذجا صادقا للتماثل الحقيقي بين المتخيل الفني والواقعي الحسي المدرك، بل يمكن القول بأن الأدب الفانطاستيكي يمكن أن يتضمن عالمين: عالما افتراضيا محتملا، وعالما واقعيا حقيقيا ضمن عوالمه الفنية والجمالية والتخييلية. أي: إن المحكيات العجيبة، في وسط أدبي متطور، تتيح إمكانية تأويل مزدوج للمتن الحكائي بموجب متطلبات التحفيز الواقعي: فمن الممكن فهمها، في الوقت ذاته، كأحداث واقعية وكأحداث عجيبة.

وعليه، تخضع الروايات الواقعية، والروايات الطبيعية، والروايات التاريخية، وروايات العادات، وروايات الأدب الشعبي، وغيرها من النصوص والخطابات، لمنطق الواقعية الإيهامية، من خلال إيجاد تماثل حقيقي وواقعي بين المتخيل والواقع أو العالم الذي تنقله.

ويمكن أن تتحقق هذه الإيهامية الواقعية، بشكل من الأشكال، حتى في المتخيلات غير الواقعية، مثل: الأدب الفانطاستيكي، والخيال العلمي، والروايات المجردة، والروايات الميتاسردية، وغيرها من الروايات الحداثية... بشرط ممارسة فعل التأويل الرمزي.

- التحفيز الجمالي (Esthétique) في التركيب النصي:

يتعارض التحفيز الجمالي مع التحفيز الواقعي. فكل متخيل يتطابق مع الواقعي، يندرج ضمن التحفيز الواقعي. وكل خطاب ينأى عن الانعكاس المرآوي، ويميل إلى الافتراض والاحتمال، ويتجاوز الواقع نحو عوالم غير مألوفة وخيالية وحلمية، يندرج ضمن التحفيز الجمالي.

بمعنى إذا كان التحفيز الواقعي يربط الأدب بالواقع أو العالم الحسي المدرك، فإن التحفيز الجمالي يعنى بالأدب في حد ذاته أو يهتم بالمتخيل الإبداعي نفسه، دون أن تكون له صلة مباشرة بالواقع، كما هو حال الرواية الميتاسردية، فالمبدع لايحاكي الواقع الحسي، بل يعنى بمحاكاة واقع الأدب نفسه (الواقع الرمزي الجمالي المحتمل). وما اختلاف المدارس الأدبية والفنية، ونشوء الصراع بين القديم والجديد، إلا تعبير حقيقي عن الاختلاف على مستوى التحفيز الجمالي.