عوارض أحوال المسند إليه.. الحذف إذا دلت عليه قرينة. التعريف. التنكير. التقديم. التأخير



عوارض أحوال المسند إليه:

المسند إليه هو كاسمه ما ضم إليه غيره كما تقدم مثل المبتدأ، والفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، واسم إن، والأصل أن يكون المسند إليه مذكوراً في الكلام وقد يحذف إذا دلت عليه قرينة نحو قوله تعالى (فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم) أي أنا عجوز، أو لضيق المقام نحو قول رفيق الصياد (غزال) أو ليجري اللفظ مجرى المثل فيكون موجزاً نحو -رمية من غير رام- أي رميتك هذه.

تعريف المسند إليه:

والأصل في المسند إليه التعريف لأن الحكم إنما يكون على معروف فيكون المسند إليه معرفة من المعارف الستة المذكورة في النحو، فإذا تعين طريق من تلك الطرق الستة وجب الاقتصار عليه وأن أمكن الإتيان في تعريفه بطريقين فصاعداً كما إذا أمكن التعبير عنه باسمه العلم أو بالموصول وصلته أو بالضمير تخير البليغ في ذلك وهو يراعي ما هو أنسب فقد يختار تعريفه باسمه العلم لأن في الاسم تعظيماً مثل معز الدين والرضا أو فيه إهانة نحو بولان ويسير فيقصد المتكلم الإشارة إلى أن المسمى له حظ من اسمه فلذلك قال الشاعر:
(وفضل يسير في البلاد يسير)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (عُصَيَّة عصت الله ورسوله)([1]) أو لأن في الاسم محبة وابتهاجها بذكره كما قال:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا + ليلاي منكن أم ليلى من البشر
فلم يقل أم هي من البشر ليعيد اسمها([2]).

المسند إليه الموصول:

وقد يختار الموصول لأن الصلة تشعر بمعنى لا يمكن أن يؤدَّى بغير الجملة مثل معنى شعار الصلة بالتفخيم في قوله تعالى: (فغشيهم من اليم ما غشيهم)، وكاختيار الموصول على المعرف بأل في قول زهير:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه + يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

فإنه لم يقل: المستسلم مهضوم مثلاُ بل أتى بالموصول ليشير بالصلة إلى علة الحكم وكاختيار المضاف على الاسم العلم في قوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم).

المسند إليه النكرة:

وقد يؤتى بالمسند إليه نكرة لعدم الداعي للتعريف نحوه (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) فدل على أن المسند إليه فرد مبهم من جنس ثم يتوصل المتكلم بذلك إلى إفادة التعظيم تارة والتحقير أخرى وقد جمعهما قول مروان بن أبي حفصة([3]):
له حاجب عن كل أمر يشينه -- وليس له عن طالب العرف حاجب
ويعرف ذلك بالقرينة وسياق الكلام كقول عباس بن مرداس:
وقد كنت في الحرب ذا تدرا -- فلم أعط شيئاً ولم أمنع
أي لم أعط شيئاً عظيماً بقرينه قوله ولم أمنع.

حالات تقديم المسند إليه:

ومن أهم أحوال المسند إليه حالة تقديم فإن تقديمه وإن كان هو الأصل إلا أن المتكلم قد يشير باختيار تقديمه مع تأتي تأخيره كأن يأتي به مبتدأ مع إمكان الإتيان به فاعلاً إذا كان الخبر فعلاً وكالإتيان به مبتدأ وهو نكرة والخبر فعل مع أن الأصل حينئذ تقديم الفعل كما في قولهم بقرة تكلمت للإشارة إلى أن ذلك للاهتمام بشأنه، أما لأن فيه فالا نحو سعد أتاك وأما للتشويق نحو قول المعري:
والذي حارتْ البرية فيه + حيوان مستحدث من جماد

يريد حشر الأجساد، ومما التزمت العرب فيه التقديم لفظ مثل وغير في قولهم (مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود) إذا أريد أنت لا تبخل وأنت تجود فجعل مثل وغير كناية عن المخاطب ويشيرون إلى هذا الجعل بالتقديم المفيد للاهتمام إذ لا وجه لهذا الاهتمام إلا تنبيه إلى أن المراد بمثل وغير معناهما الكنائي.

هوامش:

([1]) عصية بطن من بني سليم كانوا كفاراً فغدروا ببعض المسلمين يقال لهم القراء في موضع يدعي ببئر معونة سنة 4 من الهجرة.

([2]) وقد سبق علماء البلاغة إلى التنبيه على إيراد العلم لقصد التلذذ أبو الطيب المتنبي إذ قال في مدح أبي شجاع عضد الدولة:
أساميا لم تزده معرفة -- وإنما لذة ذكرناها

([3]) هو المكنى بابن أبي السّمط وهي كنية أبي حفصة لم تشتهر عند الأدباء وقد نسب هذا البيت إليه بعنوان هذه الكنية فتوقف في معرفته الكاتبون حتى أن صاحب معاهد التنصيص ترك موضع ترجمته هنا بياضاً.