المؤسسات الملكية في مملكة الحجاز.. الانتقال من إمارة عثمانية الى مملكة مستقلة ومعارضة الحكومة الدستورية التي ترأسها نجله الامير علي



انتقل الحجاز في سنة 1916 من إمارة عثمانية الى مملكة مستقلة ذات نظام ملكي تسلم الملكية فيها الحسين كأول ملك للبلاد وقد حكم هذه حكما اتوقراطيا كان فيه المرجع الاول والاخير لكل الامور، دون ان يتمتع الآخرون بصلاحياتهم  فلم يترك ابسط الاشياء دون الاشارة اليها بخط يده، وهذا ما يمكن ان تلمسه من الاوامر او التعيينات او القوانين الصادرة هذه الفترة، اذ لم تكن تخلو من عبارة "أوامر الإدارة السنية".

فلم يحدث ان استشار الملك رئيس وزرائه الا مرة واحدة في عام 1919 عند وقوع معركة تربة حين امره بالاتصال بالمعتمد البريطاني في جدة للتشاور معه في تلافي خطر الهجوم الوهابي بعد هزيمة القوات الحجازية، علما انه كان يستصعب الاتصال بالمعتمد مباشرة خشية اتهامه بالاستعانة ببريطانية ضد ابن سعود.

وهذا شأن وزرائه، فوزير خارجيته (فؤاد الخطيب) كم ذهب كان كالملائكة عند الله يسبح بحمده... ولم يسبق له ان باشر عملا من الاعمال التي تدخل في دائرة اختصاصه، او كثيرا ما كانت ترده الاوراق الحكومية موقعه بتوقيعه دون اطلاعه عليها ولم يستعن الحسين باقتراحات من حوله، ولعله نظر الى الامور وكأنها من اختصاص البيت الهاشمي، خصوصا وانه لم يواجه الانتقادات الصريحة رغم هفواته العديدة، التي كان يتجاهلها، وغضبه المستمر الذي كان ـ ولسوء الحظ ـ في اكثر الاحيان في غير محله.

وقد أثار تفرده في الحكم نفور بعض الذين عملوا معه بعد الثورة، واضطروا الى ترك الحجاز، امثال رشيد رضا، رفيق العظم، عبد الرحمن الشهبندر، عزيز علي المصري، بل واثار ابنائه انفسهم، فقد قرر فيصل ـ كما ذهبت إحدى الروايات ـ وهو في طريقه لتسلم عرش العراق ـ ان لا يعود للحجاز طيلة وجود والده في الحكم.

وقد سبق لفيصل واخويه زين وعبد الله ان اتفقوا على إقالة والدهم من الحكم وتنصيب اخيهم الاكبر (علي) بدلا منه، الا ان معارضة الاخر دفعتهم الى التراجع بعد ان نصحهم بالتريث احتراما لشيخوخته، فضلا عما يثيره هذا العمل من التفسيرات والشكوك.

وقد اتخذ كل من الاميرين علي وزيد نفس الموقف في سنة 1921 حينما اصر على عدم توقيع معاهدة 1921 مع بريطانيا.

لقد كان الحسين كما يبدو عاجزا عن تخطي العقلية القديمة ولم يتكيف كليا مع ظروف عصره، فظل يستصعب الجديد، ويدافع عن القديم، وهذا ما عهدناه في مواقفه السلبية من السياسة الاتحادية في عهد الامارة، مع الاخذ بالاعتبار طموحاته آنذاك.

وقد ختم الحسين حياته السياسية بمعارضته للحكومة الدستورية التي ترأسها نجله الامير علي، بعد استقالته سنة 1924 بناء على طلب أعيان الحجاز.

فقد اعتبر القيود المفروضة على سلطة الملك، والصيغة الدستورية الحديثة التي اقرها الاعيان امرا منافيا للتعاليم الدينية التي يجب إبقاءها دستورا للبلاد.

كان الحسين رجلا طموحا الى السلطة والملك منذ البدء، ولم يكن نزاعه المستمر مع الدولة العثمانية منذ تسلمه الشرافة سنة 1908 وحتى قيامه ضدها سنة 1916، الا تجسيدا لهذه التطلعات.

واذا كان هناك ما يعيقه حينها، فإن الوقت يبدو طبيعيا - وبعد انفصاله - لحكم الحجاز وفق ما يرتأيه دون اعتراض.

وعلى اية حال فإن الفردية التي اتسم بها حكم الحسين لا تعني في حد ذاتها حكما ملصقا بالحسين وحده، وهي سمات تطغى على كل حكام الجزيرة آنذاك بحكم المدى الذي استقر عنده التطور السياسي في هذه المناطق، مع فارق واحد يتمثل في كون الحجاز امسى مملكة ذات ابعاد متطورة قياسا بالدويلات المجاورة ويتطلب نظاما سياسيا اكثر تقدما مما هو عليه في السابق.
وهو أمر لم يتقنه الحسين خلال فترة حكمه.