المؤسسات الزراعية والصناعية والتجارية في مملكة الحجاز.. إقامة بعض المشاريع المحلية الصغيرة رغم بساطتها



لم تكن للزراعة في الحجاز من اهمية تذكر منذ اقدم العصور وحتى الوقت الحاضر لفقر تربته وعدم صلاحياتها عموما، رغم وجود بعض المناطق القليلة المزروعة، والتي تستغل للاستهلاك المحلي.

بيد أن الحكومة وكمحاولة من جانبها ابدت رغبتها في إصلاح بعض الاراضي والاستفادة من غلاتها، ومن هنا جاءت دعوة الحكومة إلى هيئة من الفنيين الزراعيين والصناعيين السوريين عام 1919 لمسح الاراضي التي قد تصلح زراعيا، وقد رفعت الهيئة الفنية ـ بعد وصولها الحجاز ـ تقريرا عن مدى صلاحية الاراضي التي قامت بمسحها فظهر بالنسبة للاراضي الواقعة بين مكة والطائف ـ عدم صلاحية اراضي مكة وما يحيطها كمنطقة المعيادة (2كم) عن مكة ومنى (10كم) عن مكة وكذلك الحال بالنسبة لضواحي مكة الاخرى كعين زبيدة، المزدلفة، عرفة، شداد، رغم وجود كميات من المياه التي يمكن استغلالها نسبيا لإرواء ضواحي مكة.

واقترحت اللجنة ـ لاصلاح المنطقة ـ اتباع الوسائل والاساليب الحديثة زراعيا.
اما المنطقة الثانية التي شملها المسح فكانت منطقة الطائف ن حيث تبين انها احسن حالا نسبيا من سابقتها، اذ امتازت بوفرة بعض المحاصيل الزراعية لوجود بعض الوديان والسهول الخصبة، ومع ذلك فقد اشارت اللجنة الى الواقع المتخلف لزراعة هذه المنطقة. وما تتطلبه من الوسائل الزراعية الحديثة.

ومن ضمن المحاولات البسيطة التي سعت الحكومة الى تنفيذها في هذا المجال، انشاؤها مدرسة زراعية، في هدف تمويل البلاد بالكوادر الزراعية، فاسست مدرسة زراعية في منطقة جرول بمكة، اطلق عليها مدرسة جرول الزراعية وذلك في منتصف كانون الثاني 1920 بناء على اوامر الحسين، وقد الحقت اعمالها بوزارة المالية، أما عن تنظيمها فقد احتوت على ثلاثة صفوف مع مختبر خاص بها، بالاضافة الى حقل منطقة عين زبيدة لإجراء التطبيقات العملية فيه.

ووضع للمدرسة برنامجها الدراسي الخاص بها، فكان على الطلبة المتقدمين اجتياز اختبار عام في بعض الدروس كالانشاء العربي والتاريخ والجغرافية والحساب والهندسة فيما حددت ساعات معينة للدوام تبدأ في الساعة السابعة صباحا وتنتهي في الساعة 11.5 مساءا أما المواد التي تدرس فيها فكانت تشمل الحكمة والحيوان والنبات والحساب والهندسة، الجغرافية والزراعة العمومية والرسم واللغة الفرنسية والكيمياء العضوية والآلات الزراعية، الزراعة التحليلية والحشرات وتربية المواشي والدواجن والحشرات المفيدة وغيرها من الدروس وزعت على صفوف المدرسة الثلاثة.

وبحكم الجانب العملي الذي تقتضيه الدراسة في مجال الزراعة فقد قسمت الى قسمين: دراسة نظرية, واخرى تطبيقية في حقل المدرسة التابع لها.

أما مدرسو هذه المدرسة فكان جلهم من المتخصصين السوريين والمصريين، استعان بهم الحسين في هذا المجال.

وضمن محاولات الحكومة ايضا في انعاش الصناعة المحلية، والكشف عن المعادن، فضلا عن تولي مهمة التدريس في المدرسة الصناعية المقترح تأسيسها  وجهت دعوتها الى بعض المتخصصين السوريين لاستغلال هذه المجالات.

بيد أن هذه المحاولات لم تأت بنتيجة مثمرة كما يظهر من صمت المصادر، فضلا عن صعوبة امكانية القيام بصناعة محلية متطورة في مثل تلك الظروف والامكانات الفقيرة التي يمتاز بها الحجاز عن غيره.

ومع تخلف الصناعة في البلاد، فإن ذلك لم يمنع الحكومة من إقامة بعض المشاريع المحلية الصغيرة رغم بساطتها.

فقد عمدت وزارة المالية الى تاسيس معملين لصناعة الاحذية لاستغلال كمية الجلود المتوفرة في الداخل، ومن هنا جاءت اجراءات الحكومة في منع تصدير الجلود الى الخارج؟، تمكنت بعدها وفي نفس المجال من اقامة شركة وطنية في مدينة جدة، واخرى للجلود والصوف في مكة، كما تمكنت الحكومة ـ ولسد الاستهلاك المحلي ـ إقامة مصنع للصابون.

وفي صدد الصناعة ايضا يشير بعض زوار الحجاز في هذه الفترة الى (دار الصنعة) التي اقامها الحسين في مدينة جدة والتي كانت تختص بالصناعات الحديدية البسيطة أما بصدد التجارة فقد عمدت الحكومة الى تأسيس غرفة تجارة في مدينة جدة للاشراف على الامور المتعلقة بالتجارة في الميناء، والبضائع التي تصله والاعلان عن وصولها ومقاديرها وماهيتها للاهالي.

كم عمدت الحكومة ايضا الى منافسة التجار في مصالحهم وتبنت تأسيس شركة تجارية غرضها الرئيسي توفير احتياجات السكان من البضائع وبيعها بأسعارها المعقولة، واقترح ان يكون مركزها في مكة في حين يؤسس لها فرع آخر في جدة، وأبدت الحكومة نيتها في تحويل الشركة الى شركة مساهمة، اذا ما أبدى الاهالي رغبتهم في الاسهام فيها، بعد تحديد سياستها الخاصة بها، ونلاحظ واحدة من هذه الشركات المحلية البسيطة (شركة الجلود والصوف) تتولى المهمة نفسها، وتتبنى عملية استيراد البضائع ن واستعدادها للاتفاق مع التجار لاستيراد البضائع المختلفة عن طريقها.

والى جانب هذه المبادرات، كانت هناك شركات او (بيوتات تجارية) كما اطلق عليها في حينها، يديرها بعض الاشخاص لنفس الغرض المذكور قبل قليل، تعهدت بنفسها في تحمل امور الاستيراد والتصدير لكافة انواع السلع.

هذا فضلا عن وجود بعض الفروع التجارية للنقل البحري في جدة والتي تمثل بعض الشركات الاجنبية للتعامل التجاري في الحجاز.
إن مثل هذه المحاولات وفي شتى المجالات زراعية او صناعية... انما عمدت اليها الحكومة ـ وبالرغم من دورها الفقير في انعاش الوضع الاقتصادي المتردي ـ لتخفيف هذا التدهور، بعد أن ظهرت أعراضه واضحة اثر انقطاع الاعانات المالية سنة 1920 اعتقادا منها في امكانية جدوى هذه الوسائل في تلافي الصعوبات الاقتصادية ولعل هذا ما يفسر الاقتراحات التي اخذت تطرح في هذه الفترة لتطوير قطاعات البلاد الاقتصادية لسد العجز الحاصل في موارد البلاد.