مؤسسات التربية والتعليم في مملكة الحجاز.. الانخفاض الواضح في مستوى التعليم المدرسي والخلو من مناهج التعليم والدراسة



حظيت المدارس في الحجاز اهتمام الحكومة الحجازية النسبي قياسا على ما كانت عليه في السابق.

إذ لم يكن هناك ـ على حد قول الحجازيين ـ اثر واضح للمدارس المتقدمة، عدا بعض المدارس الابتدائية البسيطة التي لم تف بالغرض المطلوب، رغم تأسيس المدرسة الحكومية في المدينة المنورة التي امتازت بنشاطها عن المدارس الأخرى.

أما المدارس الاهلية فقد كانت ـ مع قلة عددها ـ لا تتجاوز خمس مدارس خلواً من مناهج التعليم والدراسة.

بيد ان الحال تغيرت في المملكة الجديدة، ولعل ذلك يتضح من خلال المدارس التي اسست في هذا العهد والمدرسين والمعلمين المنسبين لها وبالذات في السنوات الاولى من العهد الاخير.

إذ اصبح للتعليم والمعارف وزارة خاصة كما تبين لها مجلس خاص اطلق عليه (مجلس المعارف) للاشراف على مناهج التدريس وتوحيدها الى جانب البرامج الدراسية التي تسير وفقها مدارس المملكة، وشكلت لجنة عليا لنفس الغرض من اجل تقرير الكتب الدراسية.

والذي يبدو ان المهمات الاخيرة كان يتحملها علماء مكة وفقهاؤها تمهيدا لكل عام دراسي جديد.

أما المراحل الدراسية التي وضعتها الوزارة فتنقسم الى مراحل تنسجم مع مستوى الدراسة المقررة فيها كما يتضح من التسميات التي اطلقت عليها وهي:

1. المرحلة التحضيرية:
ومدارسها هي (المدارس التحضيرية) وتعتبر اولى المراحل الدراسية، يدرس فيها الطالب القرآن الكريم ومبادئ التجديد ومبادئ العلوم الدينية (الفقه والتوحيد)، والاملاء العربي والقراءة العربية وحسن الخط. اما مدة الدراسة فيها فهي عامان فقط.

2. المرحلة الابتدائية:
أو (الراقية) ويطلق على مدارسها (المدارس الابتدائية الراقية) يدرس فيها الطالب، القرآن مجودا وعلم التجويد واصول التفسير وعلم التوحيد وعلم الفقه والتربية والنحو والصرف والبلاغة وآداب اللغة العربية والتدريب على الخطابة، والاملاء العربي وتاريخ العرب قبل الاسلام وحتى عهدهم الحالي ومختصر (جغرافية جزيرة العرب والقارات الخمس) والحساب ومبادئ الهندسة (والاشياء والمعلومات المدنية) ومبادئ اصول مسك الدفاتر وحسن الخط و (الحديث واصوله) والرياضة البدنية.
أما مدة الدراسة في هذه المرحلة فهي اربعة اعوام .

3. المرحلة التجهيزية:
وينتقل اليها الطالب بعد اتمامه الدراسة الابتدائية ويدرس فيها التفسير والمنطق والطبيعة والميكانيك والدروس الرياضية من جبر ومقابلة، ودروس اخرى يعتمد الطالب في دراستها على كتب مقررة اوسع مما كانت عليه في المرحلة السابقة.

والهدف من هذه المرحلة، كما ارتأى المسؤولون اعداد الطالب للالتحاق بمدرستي الزراعة والصناعة  والتي تعد بمثابة المرحلة الأخيرة في النظام الدراسي.

اما مدرسو ومعلمو هذه المدارس فلم يكن بالامكان تنسيبهم للمدارس دون اجتيازهم الاختبار اللازم في دائرة المعارف التابعة للوزارة، وهذا ما يتضح من خلال الإعلانات التي تصدرها الوزارة عند حاجتها للمدرسين او المعلمين في المناطق التي تم فيها فتح المدارس الجديدة.

والجدير بالذكر ان الدراسة في هذه المدارس مجانية وعلى نفقة الحكومة.
كانت المدرسة الخيرية الهاشمية في منطقة المسعى بمكة اولى المدارس التي تاسست في هذا العهد في تشرين الاول عام 1918، اعقبتها مدارس مماثلة في مكة والمدن الحجازية الاخرى وتوابعها وفي ضوء ما تقدم من المراحل.

فكانت في مكة خمس مدارس تحضيرية هي:
1- المدرسة الخيرية الهاشمية.
2- مدرسة حارة الباب.
3- مدرسة المعلاة.
4- المدرسة الفخرية.
5- مدرسة الفلاح.

واثنتان من هذه المرحلة في مدينة جدة هما المدرسة التحضيرية الهاشمية ومدرسة الفلاح، ومدرستين في مدينة الطائف المدرسة التحضيرية الهاشمية، واخرى باسم مدرسة الفلاح  وواحدة في ينبع باسم المدرسة التحضيرية الهاشمية أيضا، واخرى بنفس الاسم في مدينة ضبا، وواحدة في مدينة الوجه  واخرى في العقبة، والشوبك، والطفيلة  والمدينة المنورة .

أما المدارس الابتدائية ( الراقية ) فكانت ثلاث في مكة واثنتان في جدة وواحدة في الطائف واخرى في المدينة.

لقد بلغ مجموع المدارس في الحجاز هذه الفترة (20) مدرسة، اما عدد طلابها ـ كما جاء على لسان الجريدة الرسمية ـ فقد بلغ (7357) طالبا أي بما معدله (368) طالبا لكل مدرسة.

اما المدارس القروية فقد بلغ عددها(54) مدرسة مع عدد لا بأس به من الكتاتيب الأهلية.

ومما تجدر الاشارة اليه، ان المدارس ـ ومع مجانية المدارس ـ كانت على نوعين: أهلية وحكومية، والذي يظهر ان معظم المدارس الابتدائية كانت اميرية اي حكومية بينما لا تتجاوز المدارس الاهلية، الست مدارس خمسة منها في مكة وواحدة في جدة.

ومما يجدر ذكره ايضا ان نظام الحلقات الدراسية المعروف في العهد العثماني استمر في نشاطه، وكانت المساجد هي الاماكن الرئيسية لهذه النشاطات ومدرسو هذه الحلقات من علماء وفقهاء العهد السابق او ابنائهم وتلامذتهم.

ويلاحظ ان هذ النشاط كان ملحوظا في مكة. وكان المحاضرون يلقون بدروسهم على الطلبة والعامة على السواء.

اما اهم الدروس الملقاة في هذه الحلقات فتتمثل في الفقه والبلاغة والنحو والحديث والدروس الدينية المختلفة.

وكان اكثر المحاضرين كما يظهر من الشخصيات الحكومية كالشيخ علي مالكي وزير المعارف، والشيخ جمال مالكي عضو مجلس المعارف، واعضاء آخرين في المجلس الاخير، هذا بالاضافة الى مدرسي الحرم الملازمين لهذه الحلقات.

وينطبق هذا النشاط ايضا على الحلقات الدراسية في المدينة.
فكان الحرم النبوي واحدا من ابرز مساجد المدينة التي تدرس فيه الدروس المعتادة في القضاء والفقه والتصوف، في حين يتلقى الطلبة المتفوقون على سواهم بعض الدروس الخاصة في مبادئ الفقه والنحو.

ومع ذلك فإن المدينة ـ وبسبب الحصار الذي فرض عليها طيلة الحرب ـ لم تحافظ على نشاطها في هذا المجال كما هو الحال في مكة، لانخفاض عدد العلماء، والفقهاء بسبب هجرتهم، او وفاتهم، رغم بقاء بعضهم او اولادهم او ممن وفد اليها في غضون هذه الفترة.

وعلى اية حال فإن الحركة التعليمية عموما لم يكتب لها الازدهار المؤمل وذلك لضعف اقتصاديات البلاد.

فقد انخفض عدد الطلبة في المدارس الى (30) طالبا او اكثر بقليل في كل مدرسة عام 1920، بعد ان كان 368 طالبا في تشرين الاول 1918، وهذا ما بين الانخفاض الواضح في مستوى التعليم المدرسي، ويشير الى مدى التصدع الذي اصاب هذا الجانب الى الدرجة التي انتقد فيها من قبل مسؤوليه انفسهم.