النص الفلسفي (استقلالية الشخص) لجورج غوسدورف - مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان



استقلالية الشخص
Independence of the person

«إنّ فكرة استقلال الذات المفكّرة والشخص الأخلاقي كما تمّت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقّق في الفكر الإنساني إلاّ في وقت متأخّر، فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلّم، وتحقيقا للنموذج الذي ربّما ينبغي على الإنسان أن يتوجّه إليه بجهده، لكن لا ينبغي أن ننسى أنّ تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكّلان الواقعة الأولى في الوجود كما عاشها الناس فعليا.

فالادّعاءات الإيديولوجية حول الإنسان لا يمكن بأيّة حال أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكّل على أرض بشر أحياء، لهذا فإنّ أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدّد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضا وأوّلا في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية.

وفي الحقيقة لا يتعلّق الأمر هنا بنظامين مختلفين، فالعلم واحد، وكلّ نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النموّ والارتقاء، يعتقد "الفرد" أنّه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصوّر نفسه كبداية مطلقة.

وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنّه لا يوجد إلاّ بالمشاركة فيقبل الوجود النسبي، ويتخلّى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي، إنّه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير.

لقد فهم الشخص الأخلاقي أنّ الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيّز والتملّك المنغلق كما لو كان بإزاء كنز خفيّ، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقّى بقدر ما يعطي و يمنح».

(جورج غوسدورف، مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949، ص: 201-202).


0 تعليقات:

إرسال تعليق