سفارة النبي إلى مصر بواسطة بن أبي بلتعة اللخمي إلى المقوقس عظيم القبط



وصلت سفارة النبي إلى مصر يحملها بن أبي بلتعة اللخمي وتجمع الرواية الإسلامية على أن هذه السفارة كانت موجهة إلى المقوقس عظيم القبط وتقدم إليه صورة كتاب النبي الذي أرسل إليه مستهلاً بهذه العبارة بسم الله الرحمن الرحيم من رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط وهو في نص الكتاب الذي وجه إلى هرقل وفي نفس عباراته مع تغيير يسير في بعض الروايات وفيه يدعى المقوس كما دعي هرقل إلى اعتناق الإسلام.

وهنا يجب أن نقف قليلاً عند شخصية المقوس هذا الذي تعرفه الرواية الإسلامية دائماً بأنه عظيم القبط فقد كانت مصر يومئذٍ ولاية رومانية استردها هرقل من الفرس بعد أن لبثوا فيها عدة أعوام ورد إليها سلطة قسطنطينية وعاد يحكمها الولاة الرومانيون كما كانت من قبل ولم يكن لأهلها القبط أي نوع من الاستقلال.

والظاهر أن هذه الحقائق لم تكن مجهولة في المدينة حيث تدل رســائل النبـي وكتــبه على أن الأحداث والأوضاع السياسية التي كانت تسود الجزيرة العربية وما يجاورها من الممالك كانت معروفة من النبي وصحبه.

فالمــرجح أن المقوقس الذي تردد الرواية العربية اسمه هو كيروس حاكم مصر الروماني بيد أن هنالك نقطة ما تزال غامضة هي أن كيروس لم يعين حاكماً لمصر إلا في سنة 631 م أي بعد إرسال السفارات النبوية بأكثر من عامين.

ولا يمكن أن تفسر هذه الثغرة في التواريخ إلا بأن السفير النبوي قد أنفق الوقت في قطع الطريق ثم في الانتظار أو أن كيروس كان معنياً من قبل ذلك ليحكم مصر بصفة رسمية.

بيد أن الواقدي يقدم إلينا حلاً لهذا المشكل فيقول أن سفارة النبي إلى المقوس كانت في السنة الثامنة من الهجرة لا في أواخر السنة السادسة.

وأواخر السنة الثامنة من الهجرة توافق أواسط سنة 630م، فإذا أضفنا إلى ذلك طول المسافة من المدينة إلى مصر استطعنا أن نضع مقدم السفير النبوي في أوائل 631م.

وعلى أي حال فالمرجح والمعقول هو أن السفارة النبوية لم توجه لأحد في مصر غير الحاكم العام وقد كان هذا الحاكم العام هو كيروس ومما يؤيد هذه الحقيقة هو أن السفير النبوي قصد الإسكندرية ليؤدي مهمته وقد كانت الإسكندرية يومئذ مقر الحاكم الروماني.

اخترق حاطب بن أبي بلتعة اللخمي مصر من شرقها إلى غربها وقصد الإسكندرية ليؤدي سفارة النبي ورسالته وأخذ كيروس في مجلسه المشرف على البحر فاستقبله بترحاب وحفاوة وتلقى منه كتاب النبي وناقشه في مضمونه وسأله عن النبي ودعوته.

وهنا تقول الرواية الإسلام أيضاً كما قالت في شأن هرقل أن المقوقس كيروس أفض إلى حاطب بأنه مؤمن بصدق رسالة النبي وأنه يود لو تبعه لولا خشيته من القبط ثم صرف حاطباً بكتاب منه إلى النبي (ص) وهبة يذكرها في الكتاب وإليك نصه كما يورده ابن عبد الحكم أقدم مؤرخ لمصر الإسلامية (لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام).

وفي بعض الروايات أن الهدية تضمنت فوق ذلك حمار و شيئاً من العسل والمال والجاريتان هما مارية القبطية وأختها شيرين وقد أسلمتا على يد النبي (ص) وتزوج النبي بمارية القبطية ورزق منها بولده إبراهيم الذي توفي طفلاً ووهب أختها شيرين لأحد أصحابه المقربين إليه.

وفي زواج النبي بمارية وفي مولده ولده إبراهيم دليل قاطع على أنه كانت ثمة مخاطبات وعلاقة حقيقة بين النبي وعظيم مصر يومئذ أعنى كيروس الحاكم الروماني.