رحلة ابن بطوطة نص جدير بالقراءة.. العالم واسع حافل بالأنماط الإنسانية والأنساق الثقافية

لقد ترك لنا ابن بطوطة رحلة ظلت –وستظل- مَحْفُوظَةً فِي التَّاريخِ، يَقْرَؤُهَا مَنْ يشاءُ فيقف على أحوال هذه البلاد البعيدة، التي كانت تمثل مجتمعه العربي الإسلامي في هذا الوقت، وَيَطَّلِعَ على أخبارها وأسرارها، فيدرك كيف ضربت الشعوب الإسلامية في ذلك الوقتِ المثل على تحقيقِ معنَى الوحدة والتكافل والتراحم بين أبناء الدولة العربية الإسلامية على اختلاف ألوانهم وبلدانهم، فما من بلدٍ نزلَ بِهِ "ابْنُ بَطُّوطَة" إلا أكرمه أهلها، ومدوا له يدَ العَوْنِ والمساعدة ...

كما يجد القارئ في هذه الرحلة الكثير من المغامرات الشيقة التي عاشها "ابْنُ بَطُّوطَة" في أسفاره. فخلالها تعرضَ للهجومِ مرات كثيرةً، وفي إحداها كَادَ يغرقُ مع السفينةِ التي يستقلها، وفي أخرى أصبح على وشك أَنْ يلاقِي مَصيره إعدامًا عَلى يد أَحد الزعماءِ الطُّغاةِ، وذلك إلى جانب العجائب والغرائب وحكايات الأولياء وكراماتهم مما كان يؤمن به من أفكارٍ صُوفِيَّةٍ..

وَتُوُفِّي "ابْنُ بَطُّوطَة" عَامَ 779هـ، بعد أن ترك لنا رحلةً مُمْتِعةً، لا يزدادُ من يَقْرَؤُهَا إلا اشتياقا للمزيد وَالمزيد من القراءة..

ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه الرحلة هي المؤلَّف الوحيد، والإنتاج العلمي الفريد للرحالة العربي المسلم "ابن بطوطة".

ولن نكون مبالغين لو قلنا: إنه لولا رحلة ابن بطوطة، لما صار له ذكر، ولا عرفناه باسمه ولا وصفه.
ولعل في تلك الحقيقة التاريخية إشارة بالغة الأهمية، مفادها أن الإنسان يكفيه أن يكرس نفسه لفكرة أو موضوع .. لقضية يدافع عنها ويتبناها.

خرج ابن بطوطة فرأى وعرف وأدرك أن العالم واسع حافل بالأنماط الإنسانية والأنساق الثقافية –وإن كان هذا القول مفارقة تعبيرية- وعاد فروى ما حدث لتتحول العين إلى صوت يصفو بعد أن يمر على الوعي ويجلس بجانبه الرجل الذي أصبح تلميذه محمد بن جزي شاغلا دور المرسل إليه ليكتب ما يراه (الآن) لحظة الإملاء أستاذه الرحالة المرسل ابن بطوطة..

هذا النمط يذكرنا ببنية رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح حيث يقوم الراوي بدور الباحث عن حقيقة البطل مصطفى سعيد الذي رأى العالم قبله وعاد من الاغتراب إلى الانتماء في رحلة الحوار الحضاري.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال