دية القتل العمد.. تجب على القاتل حالة في ماله فقط، فلا تحملها عنه العاقلة؛ لأنها لا تحمل جناية عبد ولا عمد ولا ما لزم بصلح أو اعتراف

إذا عفا أولياء القتيل عن القصاص إلى الدية، فإن الدية واجبة لهم لقوله تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ).
ويتعلق بهذه أحكام:

أولا: إنها تجب على القاتل حالة في ماله فقط، فلا تحملها عنه العاقلة؛ لأنها لا تحمل جناية عبد ولا عمد ولا ما لزم بصلح أو اعتراف، ولا تؤجل، قياساً على بدل المتلف وأرش الجناية؛ فإنها تجب على المتلف والجاني اتفاقاً، وذلك لأنه كان متعمداً في ذلك، فلا سبيل إلى أن يساعده غيره فيها، بل هو يبوء بحملها كما باء بإثم قتله.

وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، وذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله (ص) قال: «من قتل مؤمنا متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفَة، وما صالحوه عليه فهو لهم ، وذلك لتشديد العقل».

ثانياً: تكون الدية مغلظة كما دل عليها حديث عمرو بن شعيب السابق، وإليه ذهب الشافعي.

وذهب مالك وأحمد إلى أنها أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.

وذلك لما روي الزهري عن السائب بن يزيد قال: «كانت الدية على عهد رسول الله (ص) أرباعاً: خمساً وعشرين جذعة، وخمساً وعشرين حقة، وخمساً وعشرين لبون، وخمساً وعشرين بنت مخاض».

ولحديث عمرو بن حزم: «وإن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس مائة من الإبل»، وظاهره لا يقيد أقل ما يتناوله الأسم، ولأنه أحد نوعي القتل معتبر بنفسه لا بغيره، فلم يجب في ديته الحوامل كالخطأ، وكالزكاة والأضحية.

ثالثاً: خالف الحنفية غيرهم في هذه المسألة، فقالوا: إن دية القتل العمد غير مقدرة، لأن الأصل في العمد القود؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله (ص) قال: «العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول».

فإذا عفا ولي المقتول أو صالحوا؛ فلهم ذلك على قليل أو كثير، لأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفواً، فكذا تعويضا لإشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل، فيجوز بالتراضي، والقليل والكثير فيه سواء، لأنه ليس فيه نص مقدر، فيفوض إلى اصطلاحهما؛ كالخلع وغيره.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال