الخلاف بين العباس وعلي وحكم عمر رضي الله عنهم بينهما.. الاختصام فيما أفاء الله على رسوله (ص) من مال بنى النضير



الخلاف بين العباس وعلي وحكم عمر رضي الله عنهم بينهما:

قال مالك بن أوس: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار([1]), إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني، فقال: أجب أمير المؤمنين، فانطلقت معه حتى دخلت على عمر، فإذا هو جالس على رمال([2]) سرير ليس بينه وبينه فراش، متكئ على وسادة من أدم، فسلمت عليه ثم جلست، فقال: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات، وقد أمرت فيهم برضخ، فاقبضه فاقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص، يستأذنونك؟ قال: نعم فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا، ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله (ص) من مال بنى النضير، فقال الرهط – عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر قال عمر: تيدكم([3]), أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله (ص) قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة»، يريد رسول الله (ص) نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي، وعباس، فقال: أنشدكما بالله أتعلمان أن رسول الله (ص) قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خص رسوله (ص) في هذا الفئ بشيء لم يعطه أحدًا غيره، ثم قرأ: +وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" [الحشر:6]. فكانت هذه خالصة لرسول الله (ص) ووالله ما احتازها دونكم، ولا أستأثر بها عليكم، قد أعطاكموها، وبثها فيكم، حتى بقى منها هذا المال، فكان رسول الله (ص) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقى فيجعله مال الله، فعمل رسول الله (ص) بذلك حياته، أنشدكما بالله، هل تعلمان ذلك؟ قال عمر: ثم توفى الله نبيه (ص) فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله (ص)، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا وليُّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمل رسول الله (ص) وما عمل فيها أبو بكر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركم واحد، جئتنى يا عباس، تسألني نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا «يريد عليًا» يريد نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله قال: «لا نورث، ما تركناه صدقة» فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله (ص) وما عمل أبو بكر، وبما عملت فيها منذ وليتها، فقلتما: ادفعها إلينا، فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، ثم أقبل على على وعباس فقال: أنشدكم بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: فتلتمسان مني غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلىَّ، فإني أكفيكماها([4]).

([1]) متع النهار: ارتفع قبل الزوال.
([2]) المراد أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف.
([3]) التيد: الرفق، يقال:تيدك هذا، أي اتئد.
([4]) البخاري رقم 3094، مسلم 1757واللفظ للبخاري.


0 تعليقات:

إرسال تعليق