فهم "التشعيث" في العروض العربي: حذف أول الوتد المجموع وتأثيره على الأوزان الشعرية
يُعد "التشعيث" أحد الزحافات أو العلل العروضية التي تطرأ على أوزان الشعر العربي، وهو مصطلح دقيق في علم العروض يشير إلى تغيير محدد يلحق ببعض التفاعيل. فهم هذا المصطلح يسهم في تقدير دقة النظم الشعري وقواعده الصارمة.
تعريف التشعيث وخصائصه:
التَّشْعِيْثُ هو تغيير عروضي يُعرف بـ حذف أول الوتد المجموع. لفهم هذا التعريف، يجب أولاً تذكر بنية "الوتد المجموع" في العروض العربي، والذي يتكون من حرفين متحركين يليهما حرف ساكن (مثل: فَعِلْ، قَدَرْ). فعندما يطرأ التشعيث على تفعيلة تحتوي على وتد مجموع في بدايتها، يتم حذف الحرف المتحرك الأول من هذا الوتد.
يظهر التشعيث بشكل خاص عندما يدخل على تفعيلة (فَاْعِلاتُنْ). هذه التفعيلة، التي يبلغ وزنها العروضي الصحيح ( /5//5 )، أي:
- فاء (فَاْ): سبب خفيف (حرف متحرك يليه ساكن)
- عين (عِ): وتد مجموع (حرفان متحركان يليهما ساكن)
- لام (لا): سبب خفيف (حرف متحرك يليه ساكن)
- تاء (تُنْ): وتد مجموع (حرفان متحركان يليهما ساكن)
(ملاحظة: التمثيل الدقيق للتفعيلة فاعلاتن هو //5 /5، حيث العين واللام تشكلان وتدًا مجموعًا، ولكن الشرح الوارد في النص يركز على دخول التشعيث في سياق معين يؤدي إلى تغييرها).
عند دخول التشعيث على تفعيلة (فَاْعِلاتُنْ)، فإن الحرف الأول المتحرك من الوتد المجموع فيها يُحذف، لتصبح التفعيلة (فَاْلاتُنْ). رمزها العروضي يتحول من ( /5//5 ) إلى ( /5/5/ ). أي أن الوتد المجموع الثاني في "فاعلاتن" هو الذي يتأثر بالحذف. (إذا افترضنا أن فَا سبب خفيف، وعِلا وتد مجموع، وتُن سبب خفيف، فالكلام عن "حذف أول الوتد المجموع" يعني حذف الحرف الأول من "عِلا"، لتصبح "لا"، ثم يتغير وزن التفعيلة. لكن المثال المذكور في النص يشير إلى تغير التفعيلة إلى "فَاْلاتُنْ" برمزها /5/5/5، مما يعني أن التشعيث أثر على جزء مختلف أو أن الشرح يتعلق بتحديد الوتد المجموع بشكل آخر. بناءً على المثال، يبدو أن "التشعيث" في هذا السياق يؤثر على التفعيلة بحيث تُصبح فَاعِلاتُن ( //5 /5 ) تُصبح فَالاتُن ( /5/5/ ) أو ( /5/5/5 ) إذا كان الرمز الأخير يشير إلى حرف متحرك وساكن بعدها، وهذا يتوافق مع حذف حرف متحرك من الوتد المجموع الذي يلي السبب الخفيف الأول).
مثال تطبيقي على التشعيث: قصيدة أبي العتاهية
- كلمة (الأَحْيَاءِ) هي الجزء الذي يمثل ضرب البيت.
- عند تقطيعها عروضياً، نجد أن وزنها هو (فَاْلاتُنْ).
- رموزها العروضية: (/5/5/5)
- الألف واللام الشمسية (ال) تُحذف هنا
- أَ: متحرك ( / )
- حيا: متحرك وساكن ( 5 )
- ئي: متحرك وساكن ( 5 )
- (إِ): متحرك ( / )
- (نْ): ساكن ( 5 )
- مَا: متحرك وساكن ( 5 )
- البيت الأول: (أَحْيائِيْ) = (فَاْلاتُنْ) = (/5/5/5). هذا الوزن هو نتيجة دخول التشعيث على تفعيلة "فاعلاتن" التي تكون في الأصل ( //5 /5 ). فالتشعيث حذف الحرف الأول من الوتد المجموع "عِلا" أو "تُنْ" ليصبح الوزن هكذا.
عدم الالتزام بالتشعيث: جوازه في الشعر العربي
من النقاط المهمة التي يبرزها المثال المذكور هي أن التشعيث ليس من العلل اللازمة التي يجب أن يلتزم بها الشاعر في جميع أبيات القصيدة. وهذا ما يتضح في البيت الثاني من نفس القصيدة:
إِنَّما الْمَيْتُ مَنْ يَعِيْشُ كَئِيْبًا + كاسِفًا بالُهُ قَلِيْلَ الرَّجاءِ
- في الشطر الثاني من هذا البيت، كلمة (ـلَ رْرَجَاْئِيْ) تمثل ضرب البيت.
- عند تقطيعها عروضياً، نجد أن وزنها هو (/5//5/5). هذا الوزن هو وزن تفعيلة (فَاْعِلاتُنْ) الأصلية، والتي لم يدخلها التشعيث.
- هذا يعني أن الشاعر لم يلتزم بالتشعيث في ضرب البيت الثاني، وهذا جائز في علم العروض. التشعيث، كغيره من بعض الزحافات والعلل، يمكن أن يرد في بعض الأبيات دون غيرها في القصيدة الواحدة، أو في بعض الأضرب دون الالتزام به في كل ضرب.
أهمية التشعيث في فهم العروض
إن دراسة التشعيث وغيره من الزحافات والعلل تُظهر لنا:
- مرونة الوزن الشعري: على الرغم من القواعد الصارمة للأوزان، تتيح الزحافات والعلل للشاعر قدراً من المرونة في النظم، مما يوسع من إمكانات التعبير الشعري دون الخروج عن البحر.
- دقة علم العروض: يُبرهن وجود مصطلحات دقيقة مثل "التشعيث" على عمق التحليل الذي وصل إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي في فهم الموسيقى الشعرية للغة العربية.
- جمالية النظم: قد تُضفي هذه التغييرات، عند استخدامها ببراعة، جمالاً إيقاعياً وتنوعاً في النظم، مما يثري النص الشعري.
باختصار، التشعيث هو أحد التعديلات المحددة التي قد تطرأ على التفعيلات العروضية، خاصة تفعيلة "فاعلاتن" في بحرَي الخفيف والمجتث، وهو يمثل جانباً من جوانب التعقيد والجمال في النظم الشعري العربي.