رواية التسلية والترفيه.. تعليم المثقفين المصريين ثقافة جديدة متطورة تختلف عن الثقافة الأزهرية وإصلاح المجتمع عن طريق النقد الاجتماعي



رواية التسلية والترفيه:

حاولت الرواية التعليمية أن تعبر عن أهداف المثقفين، في المراحل الأولي لتطور مجتمعنا، فحاولت أولا تعليم المثقفين المصريين ثقافة جديدة متطورة تختلف عن الثقافة الأزهرية، متأثرة بالعلوم الغربية التي أثبتت تفوقها، وحاولت بعد ذلك إصلاح المجتمع عن طريق النقد الاجتماعي.

إرضاء رغبات الجماهير:

وإذا كانت الرواية التعليمية قد عبرت عن أهداف كبار المثقفين فإن رواية التسلية والترفيه قد اتجهت إلى إرضاء رغبات الجماهير وأذواقهم، وخضعت خضوعا كبيرا لميولهم، وكانت سياسة المحتلين في التعليم تتجه إلى مقاومة التعليم عموما والتعليم العالي بصفة خاصة.
وقد ساد تيارا التسلية والترفيه الفترة التي تمتد من أواخر القرن التاسع عشر إلى الثورة القومية في سنة 1919، وظلت الرواية حتى هذه الفترة غير معترف بها من كبار المثقفين والأدباء لان المثقفين كانت جهودهم مركزة إما في ميدان النضال السياسي أو في ميدان الإصلاح الاجتماعي.

وليد غير شرعي:

وكان الأدباء متأثرين بالدعوة إلى بعث التراث العربي القديم، ولما كان الشعر هو التراث الأدبي البارز، فقد اتجه الأدباء إلى بعثه ومحاولة النسج على منواله. ولم يحاول الأدباء التأثر بالتراث الشعبي في ميدان الرواية، لأنه لم يكن معترفا بها كفن أدبي بالنسبة إليهم ولذلك ظل ينظر إلى الرواية على اعتبارها وليدا غير شرعي في هذا المجتمع.

وبرغم أن الشعراء الذين تأثروا بالشعر الغربي بدأت بواكير إنتاجهم في الظهور ابتداء من العقد الأول من القرن العشرين، فإن الرواية كانت ما تزال وليدا غير شرعي، واضطر هيكل نتيجة لهذا الإحساس إلى عدم إطلاق لفظ رواية على روايته (زينب) وسماها (مناظر وأخلاق ريفية) كما أنه لم يجسر على وضع اسمه عليها ولكنه اكتفي بوصف مؤلفها بأنه (مصري فلاح)، خاصة وأن موضوعها هو الحب، تلك العاطفة التي ينظر إليها بنفس الاستنكار الذي كان ينظر إليه المثقفون إلى الرواية.

الصحافة واجتذاب القارئ:

كان الدافع الأكبر الذي دفع المهاجرين الشوام إلى تقديم روايات التسلية والترفيه يرجع إلى اشتغالهم بالصحافة وسيطرتهم على الصحف والمجلات منذ بداية عهد الاحتلال.
وقد انتشرت المجلات في الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر، وكان أهمها (الهلال) و (المقتطف)، وظهر إلى جوارهما عدد آخر من المجلات لم تحظ بمثل مكانتهما واستمرارهما مثل اللطائف المصورة وغيرها.
ولما كانت هذه المجلات تهتم بالدرجة الأولى بالثقافة والعلوم، ولما كان بعضها كالمقتطف يتطرق في الاهتمام بتقديم الثقافة الأوربية الخالصة التي لم يكن المجتمع مستعدا لتقبلها، لذلك أحس أصحاب المجلات بضرورة اجتذاب القارئ بتقديم الرواية المتسلسلة إليه، فبدأت الهلال في الاهتمام بالقصة المترجمة والمؤلفة منذ سنة 1892.

تسلية القراء:

وساهم جرجي زيدان صاحب المجلة مساهمة فعالة برواياته في تسلية قرائه وتثقيفهم في الوقت نفسه، وفي السنة التي بدأت فيها الأهرام تقديم رواياته إلى القراء بدأت مجلة اللطائف المصورة نفس المحاولة بتقديم القصص والروايات المترجمة.
وقد امتد هذا التيار بملامحه البارزة في فترة ما بين الحربين. من أشهر كتاب هذه الفترة مصطفى لطفي المنفلوطي، ونذكر من إنتاجه  "النظرات" و "العبرات" ورواية (في سبيل التاج).

الرواية التعليمية:

كانت الرواية التعليمية تعبيراً عن إحساس المثقفين بحاجات بيئتهم التي يعيشون فيها، ورغبتهم في إصلاح هذه البيئة، ولذلك تأثرت ظاهرياً فقط من حيث الشكل بالرواية الغربية، وحاول روادها الأوائل استغلال هذا الفن لتعليم أبناء وطنهم.
واتجهت الرواية التعليمية بعد ذلك إلى محاولة الإصلاح الاجتماعي في أوائل القرن العشرين، واستعان المصلحون الاجتماعيون بشكل قصصي يستمد جذوره من الأدب العربي القديم هو فن المقامة ليجعلوه بديلا من التأثر بالرواية الغربية.
وتختلف الرواية التعليمية عن رواية التسلية والترفيه في أن النوع الأول كان نداء إلى المواطنين ليتعلموا ويتنبهوا إلى المظاهر الاجتماعية المعتلة.

الأدب الشعبي:

أما روايات التسلية والترفيه فتمثل خضوع المؤلفين لذوق القراء غير المثقفين، هذا الذوق الذي كان بدائيا ساذجا، كما خضع مؤلفو هذه الروايات خضوعاً كاملاً للروايات الغربية القليلة الأهمية التي ترجمت ترجمات مشوهة، أو التي قدر لبعضهم أن يطلعوا عليها في لغاتها الأصلية، خاصة وأن الكثير من المترجمين كانوا يقومون في الوقت نفسه بالتأليف أيضاً.

ولم يحاول ممثلو هذا التيار الرجوع إلى الفنون الروائية في الأدب العربي، والتي تتمثل بصورة خاصة في الأدب الشعبي، وحين تظهر في مؤلفاتهم بعض الملامح التي تربط بينها وبين الأدب الشعبي فإنما يحدث ذلك بصورة غير إرادية نتيجة لتأثرهم بالذوق الشعبي الذي لم يستطع أكثرهم التخلص من آثاره.