بنية القصيدة الجاهلية.. المطلع. حسن التخلّص. الخاتمة. وحدة البيت. الوحدة الموضوعية - وحدة القصيدة



بنية القصيدة الجاهلية:

القصائد الجاهلية ضربان، يتمثل الضرب الأول في القصائد الطويلة المشهورة ومنها المعلقات، وهي تعالج أكثر من موضوع واحد، وتكون هذه الموضوعات فيها مرتبطة أحياناً ومفككة أحياناً أخرى، ويظهر الضرب الثاني من الشعر الجاهلي في القصائد القصار والمقطعات، وتتمثل في هذه القصائد وحدة الموضوع والتجربة الشعورية الصادقة على ما فيها من سرعة وإيجاز.

أجزاء القصيدة:

وقد لاحظ النقاد العرب أن القصيدة العربية تقسم عند شعراء الجاهلية أقساماً، ولكل قسم أو جزء منها نظام خاص، فالشاعر يبدأ قصيدته بذكر الأطلال فيصف الديار والدِّمَن، ثم يصل ذلك بالنسيب ويصف ما يلاقيه من مصاعب، ثم يصف راحلته ورحلته إلى الممدوح، ويفد من ذلك إلى مَدْحه.
وأجزاء القصيدة عنده هي:

1- المطلع:

اهتم الشعراء منذ القديم بمطالع قصائدهم، لأنها أول ما تفاجىء السامع، إذ تدفعه إلى التنبيه والإصغاء إن كانت جيدة، وإلى الفتور والانصراف إن كانت ضعيفة فاترة.
ولذلك فقد حمد النقاد للشعراء مطالعهم الحسنة التي تكون واضحة سهلة المأخذ مع القوة والجزالة، وقد لاحظوا كذلك التناسب بين الصدر والعجز وترابط المعنى بينهما، ومناسبة المطلع لموضوع القصيدة.
والمطالع في مطولات الشعر الجاهلي إما طللية وإما غزلية تدور حول الديار، وإذا أضربت عن ذِكْر الديار فإلى المرأة والتشبيب بها، وأحاديث النفس حولها، أما القصائد القصار والمقطوعات فلم تذكر الديار ولا المرأة، لأنها تجربة شعورية محدودة.

2- حسن التخلّص:

ويقصد به حسن الانتقال من موضوع إلى موضوع آخر.
فالشاعر المجيد هو الذي يحسن الانتقال، فيغادر موضوعه الأول إلى الذي يليه دون خلل أو انقطاع، ويجعل معانيه تنساب إلى الموضوع الآخر انسياباً بحيث لا يشعر قارئه بالنقلة، بل يجد نفسه في موضوع جديد هو استمرار للأول وامتداد له، وبين الموضوعين تمازج والتئام وانسجام.
وقد استخدم الشاعر الجاهلي أساليب كثيرة في التخلّص والانتقال، منها: الاستفهام أو الإشارة أو بعض الحروف كالفاء والواو وربّ وبل.
وقد يستخدم الجاهليون الانتقال المفاجىء بالقطع، وذلك بأن يقول: (دع ذا) أو (فدعها) أو (عدّ عن ذا).

3- الخاتمة:

لخاتمة القصيدة أثر في النفس ووقع مهمّ، لأنها آخر معنى يبقى في الأذهان، وفي الشعر الجاهلي نهايات جميلة أعجبت النقاد قديماً منها ما ورد في شعر الشنفرى وشعر تأبّط شراً، وكثيراً ما كان الجاهليون يختتمون قصائدهم بالحِكْمة، وهي خلاصة تجاربهم ونظرتهم إلى الحياة، على أنه وُجِدَ في الشعر الجاهلي نهايات تُشْعِر أن المعنى ما زال مستمراً حيث ينهي الشاعر قصيدته فجأة وعلى غير ختام، إذ يبقى المعنى بحاجة إلى تكملة واستمرار، كما هو الحال في معلّقة امرىء القيس.

4- وحدة البيت:

البيت في الشعر العربي يقوم بمعناه، وهو مستقل بنفسه لا يتعلق بما بعده، واستقلال البيت بمعناه فيه استجابة للطبيعة العربية التي تؤثر الإيجاز، وترى أن البيت الواحد أسير على الألسنة، وتفضل لذلك أن يكون البيت الذي يدور على ألسنتها تام المعنى غير محتاج إلى سواه.

5- الوحدة الموضوعية (وحدة القصيدة):

وتقوم على أساس تنمية الشاعر لأقسام القصيدة تنمية عضوية، بحيث ينشأ كل جزء من سابقه نشوءاً طبيعياً مقنعاً، ويستدعي الجزء الذي يليه استدعاءً حتمياً، حتى تتكامل أجزاء القصيدة وتشملها عاطفة موحدة.
وتتحقّق هذه الوحدة في القصائد ذات الموضوع الواحد،  وهي القصائد القصار كقصائد الغزل والرثاء، وفي المقطوعات، أو القصائد الطويلة ذات الموضوعات القصصية، أو التي تصوّر أحداثاً بعينها.
وتتحقّق كذلك في القصائد الطويلة ذات الموضوعات المتعددة كل جزء على حِدَة، وليس يعني هذا أن يكون بين موضوعات القصيدة انسجاماً في طريقة التخلّص أو الانتقال.
والشعر الجاهلي – والشعر القديم بعامة – لا تتوافر في قصائده هذه الوحدة إلاّ قليلاً.