الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستند إليها نظام الحكم.. قواعد القانون الدستوري لا تقتصر على تنظيم السلطات العامة في الدولة وكيفية مباشرة كل منها لاختصاصاتها

على الرغم من اتفاق أنصار المعيار الموضوعي على الاعتراف بالطبيعة الدستورية للقواعد التي تتصل بتنظيم السلطات الحاكمة في الدولة وكيفية ممارستها لوظائفها، إلا أنهم قد اختلفوا بشأن الطبيعة الدستورية للقواعد المتعلقة بتحديد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستند إليها نظام الحكم في الدولة، وذلك ما بين مؤيد ومعارض لها:

1- ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الأهداف والمبادئ والاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يوجهها المشرع الدستوري للسلطات العامة في الدولة كي تسير على هديها في رسم السياسة العامة للدولة في وقت معين لا تعتبر من قبيل الموضوعات الدستورية بطبيعتها، لأنها مجرد مبادئ لا تنتمي بذاتها إلى أحكام القانون الوضعي، ومن ثم تتجرد من صفة الإلزام الفوري ولا تعتبر بالتالي قواعد ملزمة، ويقتصر دورها على توضيح معالم المجتمع وتوجيه مناهج النظام فيه، كما أنها بالإضافة إلى ذلك لا علاقة لها بنظام الحكم في الدولة، ولا تتصل بتنظيم السلطات العامة فيها.

وعلى ذلك فإن مضمون القواعد الدستورية يجب أن ينحصر في نطاق السلطة العامة، من حيث تأسيسها، وتنظيمها، وتحديد اختصاصاتها، وكيفية ممارستها لوظائفها، وألا يتعدى ذلك إلى المذهب الفكري أو الفلسفي الذي تعتنقه الدولة.

2- ذهب جانب آخر من الفقه - بحق - إلى القول بأن النصوص التي تتضمنها الدساتير عادة وتجسد الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسترشد بها السلطات العامة عند مباشرتها لوظائفها، إنما هي نصوص دستورية مما يندرج في إطار القانون الدستوري في معناه المادي أو الموضوعي.

وذلك لأن قواعد القانون الدستوري لا تقتصر على تنظيم السلطات العامة في الدولة وكيفية مباشرة كل منها لاختصاصاتها فقط، وإنما تحدد أيضاً عناصر الأيديولوجية التي يدين بها الدستور أو التي صدر في ظلها، سواء أكانت أيديولوجية اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية.

تلك الأيديولوجية تعد بمثابة الموجه أو المرشد لنشاط الدولة ككل، كما تعد بمثابة الإطار القانوني الذي تُفَسّر - أو يجب  أن تفسر - من خلاله أو على هديه نصوص الدستور، ولهذا فإن السلطات العامة لا تستطيع أن تحيد عنها، وإلا عُدّ ذلك انتهاكاً لنصوص الدستور ولروحه.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال