يكمن السمو الموضوعي للدستور في طبيعة ومضمون القواعد الدستورية التي يحتويها، وكذلك في طبيعة الموضوعات التي يقوم على تنظيمها.
فالدستور كما قلنا هو عماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، وكفيل الحريات وموئلها، وبتعبير آخر هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، ويحدد السلطات العامة فيها، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتّب الضمانات الأساسية لحمايتها.
ولهذا حُق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة، وأن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعها وفي قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، ودون أي تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ولمَّا كان الدستور من حيث موضوعه هو الأساس الذي يقوم عليه بنيان الدولة ونظامها القانوني، وهو الأصل أو المنبع بالنسبة لكل نشاط قانوني في الدولة، حيث ينظر إلى الدستور باعتباره الأب أو المصدر الأعلى لسائر القواعد والقوانين والأنظمة الإدارية والقانونية الموجودة في الدولة، فإنّ عدم الاعتراف للقواعد الدستورية بالمكانة العليا بين سائر القواعد القانونية، أو إجازة مخالفتها بواسطة الحكام أو بواسطة المحكومين، لابدّ وأن ينجم عنه انهيار نظام الدولة القانوني برمته.
ولذلك فإن السمو الموضوعي يتحقق لجميع أنواع الدساتير، المكتوبة منها والعرفية، وسواء كانت مكتوبة في نصوص جامدة ووفقاً لإجراءات خاصة، أو كانت مقررة في قوانين عادية، فالسمو الموضوعي إذ يستند إلى موضوع النصوص ومضمونها لا يمكن أن يكون خاصاً بدساتير معينة، بل هو عام في جميع الدساتير.
0 تعليقات:
إرسال تعليق