منع تفويض الاختصاصات الدستورية.. سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم يتم تنظيم الرقابة على دستورية القوانين من أجل إبطال القوانين الصادرة بالمخالفة لأحكام الدستور



يؤدي السمو الموضوعي للدستور إلى منع قيام الهيئة الممنوحة اختصاصاً معيناً من تفويض ممارسته إلى آخرين؛ فاختصاص الهيئة التشريعية مثلاً بوظيفة سن القوانين ليس اختصاصاً أصيلاً، وإنما هو بدوره اختصاص مفوَّض إليها من الشعب، ومن ثم لا يجوز لها أن تعيد تفويضه إلى سواها.

فهناك قول مأثور استعاره الفيلسوف الإنجليزي جون لوك John Locke من فكرة الوكالة في القانون العام وقدّمه كمبدأ من مبادئ علم السياسة، وهو أنَّ «السلطة المفوَّضة لا يمكن أن يُعاد تفويضها ثانيةً Delegata potestas non potest delegari»، ومعناه بالإنكليزية «A delegated authority cannot be again delegated».

وتكمن حكمة تقرير هذا المبدأ في أن الحكام حينما يقومون بوظائفهم لا يمارسون امتيازاً شخصياً لهم أو حقاً ذاتياً يعنيهم، وإنما يمارسون اختصاصات أو وظائف منحهم إياها الدستور، فلا يملكون تفويض غيرهم في ممارستها.

والدستور إذ يعهد إليهم بتلك السلطات يضع في اعتباره الضمانات التي تترتب على وسائل اختيار الحكام، والطريق الذي يتم بمقتضاه القيام بهذه السلطات أو الاختصاصات، ومن ثم لا يجوز لأية هيئة من الهيئات الحاكمة في الدولة أن تفوِّض غيرها في ممارسة اختصاصاتها الدستورية، إلا إذا نصَّ الدستور على خلاف ذلك، وأباح التفويض بشكل صريح.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن السمو الموضوعي للدستور والنتائج المترتبة عليه تظل أهميتها مقصورة على المجال السياسي المحض دون المجال القانوني، بمعنى أن إغفال هذا المبدأ قد يؤدي إلى آثار سياسية واجتماعية دون أن يؤدي إلى أية آثار قانونية، كإبطال الأعمال القانونية المخالفة لنصوص الدستور وأحكامه.

ولهذا فإن مبدأ سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم يتم تنظيم الرقابة على دستورية القوانين من أجل إبطال القوانين الصادرة بالمخالفة لأحكام الدستور.

ولاشك أن الأخذ بالرقابة على دستورية القوانين يمثل وسيلة قانونية فعالة لضمان الالتزام بالحدود الدستورية وبالمبادئ والقواعد التي قرَّرها الدستور، ومن ثم احترام الدستور نصَّاً وروحاً، كما يمثل الجزاء المنطقي على خروج المشرع العادي عن الحدود التي يفرضها الدستور.


0 تعليقات:

إرسال تعليق