دراسة وشرح وتحليل قصة الساعة والإنسان لسميرة عزّام.. مزيج من الواقعيّة والرومنسيّة والرمزيّة



دراسة وشرح وتحليل قصة الساعة والإنسان لسميرة عزّام:

الكاتبة:

هي سميرة قيصر عزّام (13/9/1927 – 8/8/1967).
قاصّة فلسطينيّة وُلدت في عكّا.
مارست التدريس والعمل الإداريّ التعليميّ في مدينتها.
نـزحت إلى لبنان عام 1948.

يعتبرها بعض النقّاد أهمّ كاتبة قصّة قصيرة فلسطينيّة، ومن أهمّ كاتبات القصّة القصيرة العربيّة عمومًا.
من مجموعاتها القصصيّة: الساعة والإنسان؛ أشياء صغيرة؛... وقصص أخرى؛ الظلّ الكبير؛ العيد من النافذة الغربيّة.

أبو فؤاد:

في المعتاد، قلّما يكون تصرُّف مَن يثكل وحيده مماثلاً لسلوك أبي فؤاد.
ففي الغالب، ثاكلُ وحيده أكثرُ ما يميل إلى التقوقع والاستسلام واللامبالاة.

ذلك أنّ أحاسيس الوحدة والفقدان والخسارة كلّها تضاعف الإحساس بالاغتراب، وتُضعِف التعلّق بالحياة والرغبة في العيش.
أمّا في حالة أبي فؤاد، فسلوك هذا الثاكل ينطوي على عناصر من التضحية والمحبّة الشاملة؛ فهو يبتغي أن يجنّب الموظّفين المصير المؤلم الذي لقيه وحيدُهُ.

وقد ترجم ذلك إلى سلوك يوميّ شبه دائم، يتمثّل في إيقاظ مجموعة الموظّفين (وبضمنهم الراوي فتحي) صباحًا، حرصًا على سلامتهم.

هذه هي المَهمّة التي فرضها الرجل على نفسه، والتي تكشف عن محبّة غامرة، محبّة تصدر عن قلبٍ يرى حاملُهُ الشبّانَ الآخرين أبناءً له (وربّما من هنا اختارت له الكاتبة هذه الكنية؛ فهي كنية معبِّرة ذات دلالة، باعتبار صاحبها ذا قلب كبير يتّسع لمقادير وفيرة من الحبّ)، فيحاول بقدر مستطاعه أن يحميهم من قسوة الزمن (فيؤدّي دَور الساعة)، وأن يجنّبهم سطوة الآلة (القطار).

مزيج من الواقعيّة والرومنسيّة والرمزيّة:

تتمازج في الساعة والإنسان ملامح واقعيّة وأخرى رومنسيّة ورمزيّة.

من الملامح الواقعيّة:

1- تحديد مكان الأحداث (مدينة عكّا)، وذلك عَبْر الإشارة إلى المدينة المجاورة "حيفا"، وذِكر ووصف بعض من أماكن ومعالم مدينة الراوي والكاتبة: الأرضيّة المبلَّطة؛ محطّة القطار؛ "أسوارها التاريخيّة العريقة"؛ البوّابة الجنوبيّة؛ الخان؛ سوق القماش...

2- الاهتمام بذكر بعض التفاصيل المعيشيّة واليوميّة، نحو: "البريموس"؛ صوت المؤذّن..

3- عرْض الكاتبة لجانب من معاناة بعض الطبقات والفئات الاجتماعيّة، وذلك في ذِكرها الصبيّ الفرّان والحمّالين والباعة والموظّفين الملزمين بملاحقة الزمن ابتغاءَ تحصيل لقمة العيش.

ومن الملامح الرومنسيّة:

- مسحة النوستالجيا التي تطلّ من بين وصف الكاتبة لبعض معالم وأماكن مدينتها النائية عنها.
لكن من الجدير بالتنبيه إليه أنّ حالة النوستالجيا المفترَضة هذه ليست محور العمل القصصيّ هذا كما قد يزعم بعضهم (نقول إنّها حالة مفترَضة؛ ذلك أنّ الحنين إلى تلك الأماكن -إلى الوطن- ليس جليًّا.

- تصوير الزمن قاسيًا معاديًا؛ فالمثكول (فؤاد) أودى لأنّه لم يلائم إيقاعه مع إيقاع الزمن يتمثّل ذلك في تأخّره عن موعد تحرّك القطار).
بطء إيقاع المرء إزاء سرعة إيقاع الزمن قد يُفْضي إلى مأساة، إلى فناء.

فالمرء حين يعي بطءَ إيقاعه، مقارنةً بإيقاع الزمن، قد يحاول -من حيث لا يدري أو لا يقصد- أن يصارع الزمن أو أن ينافسه ويسابقه، مبتغيًا اللحاق بأمنياته المبتعدة أو التعويض عن خسارةٍ ما، وعندها يخرّ صريعًا أمام هذه القوّة العظمى التي لا تُجارى.
هكذا يبدو المرء، عبر هذا الفهم وهذا التوصيف، ضعيفًا أمام الزمن، ومحكومًا بالخسران والضياع.

- إدانة المدينة (وبالتالي إدانة المدنيّة -أي الحضارة العصريّة-)؛ وذلك بعرض الكاتبة لجانب من حياة المدينة، حياة تتّسم بالفرديّة والمنافَسة (غير الإنسانيّة، غير الشريفة).
ويتبدّى ذلك في المواقف التالية:

1- "ولعلّ البطاقة قد لفتت نظر شابّين جلسا في المقعد المقابل إلاّ أنّهما لم يحاولا استيضاحي، ولم أجد في نفسي الجرأة على أن أتقحّم فشُغِلتُ بتأمّل المسافات التي تنطوي أمامي بسرعة"... وهو موقف تشير الكاتبة من خلاله إلى انعدام التواصل بين بني البشر في التجمّعات البشريّة الكبيرة، إلى محدوديّة الصلات البشريّة أو تمزّقها وانقطاعها.

2- إجابة التاجر جار أبي فؤاد، التي تفوّه بها حين سأله الراوي عن جاره (أي عن أبي فؤاد): "مسافر أو مريض.
هو قليل الكلام ونحن لا نسأل. إذا كنت تبغي شيئًا من بضاعته فلديّ مثلها وأحسن...".
فتلك إجابة تكشف عن نـزعتين: فردانيّة؛ وتنافسيّة. وهما نـزعتان قادرتان على تشويش الحياة وتشويه العيش.

3- موت أبي فؤاد دون علم أحد به. وتلك مأساة تنتهي بها القصّة، عَبْرَها تبرز الوحدة والاغتراب وسط تجمّع بشريّ عدد أفراده غير قليل.

ومن الملامح الرمزيّة:

تَعاطي الكاتبة مع الساعة باعتبارها رمزًا.
ويلاحَظ أنّ تكرار ذِكر الساعة تكرارًا تستحيل معه إلى موتيف حوّلها إلى رمز.
الساعة آلة يُعرف الزمن بواسطتها.
يمكن اعتبارها رمزًا لآلات الدمار التي تقتل طموحات الإنسان وتسحقه.
وآلات الدمار هذه (كالأسلحة -مثلاً) هي أبرز وأخطر مظاهر الحضارة المعاصرة، وهي حضارة مادّيّة لا تحفل بالإنسان، بل تسخّره وتستعبده.

كذلك يمكن اعتبار الساعة رمزًا للزمن، الزمن المتَّهم بالقسوة، الذي يصارع الإنسانَ فيصرعه ويطحنه.
هو زمن يتّصف بالفظاظة، يطحن الآمال والطموحات، بينما هو دائم ثابت طاغٍ عابث بأبناء الحياة ليجعلهم أبناء للموت.
لعلّ في هذا الموقف، كما أسلفنا، نـزعة رومنسيّة تنظر الكاتبة عبرها إلى الزمن أو إلى الآلة أو إلى الحضارة بارتياب، ناسبةً إليها سوء النيّة.

في الأسلوب:

- في الساعة والإنسان قصّتان أو حكايتان: حكاية الراوي الموظّف الجديد الشابّ فتحي؛ وحكاية الأب الثاكل.
الأولى منهما وسيلة لمعرفة الأخرى، وتتمازج القصّتان بازدياد اهتمام فتحي بأبي فؤاد.

- الوصف: وهو في كثير من المواضع وصف دقيق.
والدقّة هنا لا تعني المبالغة، لا تعني الاحتفال بالحذافير.
الوصف لدى سميرة عزّام موزَّع، وفي الغالب لا يستغرق طويلاً.