تحليل قصيدة المواكب لجبران خليل جبران:
هذه القصيدة رومانسية يتوجه فيها الشاعر الى الطبيعة لانه فيها العالم المثالي والسعادة المطلقة.
أما كلمة المواكب فهي تعني معتقدات الناس ومقاييسهم الخاطئة (الناس يمشون وراء الانسان القوي وهذا هو الموكب باللغة العربية).
تتألف القصيدة من 6 مقطوعات، المقطوعات الخمس الاولى متشابهة في بنائها اما السادسة فتختلف كليا.
أما كلمة المواكب فهي تعني معتقدات الناس ومقاييسهم الخاطئة (الناس يمشون وراء الانسان القوي وهذا هو الموكب باللغة العربية).
تتألف القصيدة من 6 مقطوعات، المقطوعات الخمس الاولى متشابهة في بنائها اما السادسة فتختلف كليا.
تركيب مبنى المقطوعات الخمسة الأولى:
أما مبنى المقطوعات الخمسة الأولى فيتألف من التركيب التالي:
1- الموضوع كما هو في الواقع او كما يتصوره الكاتب (صوت الواقع).
2- الموضوع حسب رأي الكاتب او الوضع المثالي لهذا الموضوع (صوت الغاب).
3- صوت الناي وهو التأكيد لصوت الغاب (اي لرأي الكاتب).
1- الموضوع كما هو في الواقع او كما يتصوره الكاتب (صوت الواقع).
2- الموضوع حسب رأي الكاتب او الوضع المثالي لهذا الموضوع (صوت الغاب).
3- صوت الناي وهو التأكيد لصوت الغاب (اي لرأي الكاتب).
المقطوعة الاولى (الخير):
يرى الشاعر أن الناس لا يصنعون الخير إلا إذا أجبروا على ذلك.أما الشر فهو متأصل بهم حتى ان الشاعر يبالغ ويقول يبقى الشر بهم حتى بعد موتهم.
أما الناس فهم ضعفاء أمام الدهر واصابع الدهر تلعب بهذه الالات (البشر) لكن سرعان ما تنكسر هذه الالات (وكأن البشر العاب طفل يلهو بها لكن حين يغضب يكسرها) وما دام الحال على هذا النحو لذلك يجب الا نفتخر بعلم هذا أو مجد ذاك فالناس عبارة عن قطعان تتبع للراعي أو القوي ومن لا يتبع هذا القوي يزول او يضيع.
أما في الغاب حيث الوضع الامثل فلا نجد راعيا او قطيعا ولا قائدا ولا مقودا والحياة ربيع مستمر بعد زوال الشتاء وكأن الربيع لا يخضع للشتاء القوي.
أما الناس فهم عبيد يتبعون القوي, اما صوت الناي فهو يؤكد فكرة صوت الغاب ورأي الكاتب، فالغناء هو الذي يحفظ العقول وهو الخالد بعد زوال الثنائية (العزيز والحقير, الصغير والكبير).
المقطوعة الثانية (الدين):
يرى الكاتب ان الدين كالحقل الذي لا يهتم به الا اصحاب المصالح فالعبادة والدين ناجمة اما عن طمع في الجنة واما خوفا من النار.ويمكن أن نضيف ان هناك من يتمسك بالدين لاهداف شخصية في هذه الحياة ليتظاهر بلباس الورع والتقوى او لحاجة في نفس يعقوب فالقوم لولا العقاب ما عبدوا الله وكذلك لولا الثواب فاذا كان الناس مع وجود العقاب والثواب يبتعدون عن الدين فكيف اذا انعدما؟!
فالدين عند الناس نوع من التجارة, اذا واظبوا عليه ربحوا (الجنة) واذا اهملوا هذه التجارة خسروا (النار)، أما في الغاب فلا نجد هذه الثنائية (الدين والكفر).
فالغاب يحتصن الجميع فهو يقبل صوت البلبل كما يقبل باقي الاصوات وهنا اشارة الى تكفير بعض الفئات (الاديان) لفئاتٍ أو اديان اخرى والدين عند الناس مثل الظل سرعان ما يزول لكن الشاعر يتراجع فينكر وجود اديان بعد المسيح والنبي محمد صلى الله عليه وسلم اي كأنه يعترف بهاتين الديانتين.
اما صوت الناي فهو الصلاة والدين الحقيقي وهو خالد بعد زوال الحياة.
اما صوت الناي فهو الصلاة والدين الحقيقي وهو خالد بعد زوال الحياة.
المقطوعة الثالثة (العدل):
يسخر الشاعر من قيم العد عند الانسان فالعدل عند الناس يبكي الجن لانه ليس بعدل والشاعر يبالغ في قول هذا كما يبالغ في ضحك الموت على العدل ويضرب لنا الامثال.فالجاني اذا كان صغيرا يعاقب اما اذا كان كبيرا فان المجد والغنى له فمن يسرق زهرة يُذم ويحتقر لكن الذي يسرق الحقل كاملا يعتبر بطلا (اذا كان الجرم صغيرا فالعقاب التحقير واذا كان الجرم كبيرا فالمجد والفخر) وقاتل الجسد يُقتل اما قاتل الروح لا يُعاقب ولا يُسأل اما في الغاب فلا يوجد عدل ولا ثواب ولا عقاب.
فالسرو لا يعترض على ظل اصفصاف اذا اقترب منه اما عدل الناس فهو كالثلج سرعان ما يذوب امام الشمس (الحقيقة) والناس يقحمون الدين في كل شيء ويعتبرون كل شيء لا يعجبهم بدعة ضد الكتاب المقدس اما الغناء فهو عدل القلوب وصوت الناي سيبقى بعد زوال الثواب والعقاب.
المقطوعة الرابعة (العلم):
ان العلم طريق نعرف اوله لكن النهاية مجهولة وهي نهاية الدهر والقدر لذلك الانسان العاقل والمتعلم هو الذي يعيش بالاحلام (ينظر دائمًا الى المستقبل) لدرجة ان الاخرين يسخرون منه لانهم نائمون لذلك اذا رأيت انسانا حالما منفردا فاعلم انه كالنبي الذي يلبس لباس المستقبل وهو محجوب عن الناس لانهم يعيشون في الماضي وهو غريب عن الناس سواء لامه الناس أو وجدوا له الغدر وهو شديد وان اظهر اللين وهو بعيد سواء اقتربوا منه الناس او ابتعدوا, اما في الغاب فلا وجود لثنائية العلم والجهل فانحناء الاغصان ليس احتراما لعالم فعلوم الناس كالضباب في الحقول تزول عن ظهور الشمس (الحقيقة) اما الغناء فهو افضل العلوم لان انين الناي سيبقى بعد زوال الكون.المقطوعة الخامسة (السعادة):
في هذه المقطوعة يتحدث الشاعر ان السعادة مجرد شبح فالانسان يرى سعادته في تحديد امر معين لكن حين يحقق هذا الامر يملّه ويبحث عن غيره ويضرب لنا مثلا النهر يكون مسرعا نحو السهل لكن حين يصل الى السهل يصبح بطيئا ويتعكر وهكذا الانسان بعد وصوله الى مراده يمل هذا الشيء ويتعكر لذلك سعادة الناس فقط في الشوق والامل في الوصول الى الشيء الصعب لكن بعد الوصول تزول السعادة لذلك الانسان السعيد العاقل هو الذي يبتعد ولا يطلب تحقيق اي امل صعب وفي موقفه هذا يجب ان تكون لنا عبرة اما في الغاب فلا نجد ثنائية الطلب والملل لان الغاب هو المطلق ولا يمكن للكل ان يتمنى الجزء فالغاب هو الامل النهائي ولا معنى لأي امل صغير بعد الوصول الى الغابة وعلّة الناس هي املهم اما الغناء فهو السعادة الحقيقية وهو الذي يبقى ولا يُمل.المقطوعة السادسة (وصف الغابة - الطبيعة "وصف لبنان):
تختلف هذه المقطوعة عن باقي المقطوعات من حيث المبنى وكذلك القافية والشاعر يصف طبيعة لبنان الجميلة ويتخيل نفسه بين احضانها او ربما هي ذكريات الصبا ويرى الشاعر انه لا فائدة من الكلام لان الفائدة الحقيقية هي بالفعل لذلك على الانسان ان يترك حياة القصور وان يتوجه الى الطبيعة الجميلة وهي حياة الغاب حيث التمتع بالسواقي والتسلق على الصخور والعيش بين عطور الازهار والنور الذي يبعث الدفء في الانسان وان يسكر الانسان بمنظر بذوغ الفجر وطلوع الشمس وفي ساعات العصر يتمتع بعناقيد العنب التي تشبه الثريات الذهبية وهي شراب لظمآن وطعام للجائع وطعمها كالعسل ومن شاء صنع منها الخمر.ثم يتحدث عن الاستمتاع في الطبيعة حيث الاستلقاء على العشب الاخضر تحت قبة السماء وبالذات في ساعات الليل ومنظر السماء الجميل هذا الامر يجعلنا ننسى المستقبل وننسى الماضي ونتمتع بسكون الليل العميق كأنه امواج تُعزف مع لحن دقات القلب.
ثم يعترف الشاعر بعجز اللسان لذلك يطلب الغناء لانه العلاج والشفاء فالناس سطور كتبت بالماء وسرعان ما يزولون وكأنهم لم يكونوا لذلك لا فائدة من خصام الناس وحيلهم ازاء بعضهم البعض لانها كأنفاق الخلد وخيوط العنكبوت اي ضعيفة جدا.
وما دام الانسان عاجزا فلا بد ان يموت وهو يموت ببطئ وفي النهاية يعلن الشاعر استسلامه امام القدر فهو لا يستطيع ان يعيش في هذا الغاب المنشود لان الحياة بتعقيداتها لها نظم صارمة وللشاعر مصالح لهذه الحياة لذلك كلما لجأ الى الطبيعة امتنعت عنه وهذه هي الطريق التي فرضها القدر عليه ولا يمكن تغيرها والناس لا يحققون ما يريدون بسبب عجزهم.
قصيدة المواكب لجبران خليل جبران كاملة:
الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبروا
والشرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبروا
وأكثرُ الناس آلاتٌ تحركها
أصابعُ الدّهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عَالِم علمٌ
ولا تقولنَّ ذاكَ السيّد الوَقُرُ
فأفضلُ الناس قطعانٌ يسيرُ بها
صوت الرعاةِ ومن لم يمشِ يندثرُ
* * *
ليس في الغابات راعٍ.. لا ولا فيها القطيعْ
فالشتا يمشي ولكن.. لا يُجاريهِ الربيعْ
خُلقَ الناس عبيداً.. للذي يأْبى الخضوعْ
فإذا ما هبَّ يوماً.. سائراً سار الجميعْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا يرعى العقولْ
وأنينُ الناي أبقى.. من مجيدٍ وذليلْ
* * *
وما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
أحلام من بمرادِ النفس يأتمرُ
والسرُّ في النفس حزنُ النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
والسرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ
* * *
ليس في الغابات حزنٌ.. لا ولا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ.. لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس إلا.. ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
وغيوم النفس تبدو.. من ثناياها النجومْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الزمنْ
* * *
وقلَّ في الأرض مَن يرضى الحياةَ كما
تأتيهِ عفواً ولم يحكمْ بهِ الضجرْ
لذلك قد حوَّلوا نهر الحياة إلى
أكواب وهمٍ إذا طافوا بها خدروا
فالناس إنْ شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا
فذا يُعربدُ إن صلَّى وذاك إذا
أثرى وذلك بالأحلام يختمرُ
فالأرضُ خمارةٌ والدهرُ صاحبها
وليس يرضى بها غير الألى سكروا
فإن رأَيتَ أخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيمٍ مُمطر قمرُ
* * *
ليس في الغابات سكرٌ.. من مدامِ أو خيالْ
فالسواقي ليس فيها.. غير أكسير الغمامْ
إنما التخديرُ ثديٌ.. وحليبٌ للأنام
فإذا شاخوا وماتوا.. بلغوا سن الفطامْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا خير الشرابْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الهضاب
* * *
والدينُ في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
غيرُ الأولى لهمُ في زرعهِ وطرُ
مِن آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
ومِن جهول يخافُ النارَ تستعرُ
فالقومُ لولا عِقاب البعثِ ما عبدوا
رباًّ ولولا الثوابُ المرتجى كفروا
كأنما الدينُ ضربٌ من متاجرهمْ
إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
* * *
ليس في الغابات دينٌ.. لا ولا الكفر القبيحْ
فإذا البلبل غنى.. لم يقلْ هذا الصحيحْ
إنَّ دين الناس يأْتي.. مثل ظلٍّ ويروحْ
لم يقم في الأرض دينٌ.. بعد طه والمسيح
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا خيرُ الصلاة
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تفنى الحياةْ
* * *
والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ ويستضحكُ الأموات لو نظروا
فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا
والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ
وسارقُ الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ
وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
* * *
ليس في الغابات عدلٌ.. لا ولا فيها العقابْ
فإذا الصفصاف ألقى.. ظله فوق الترابْ
لا يقول السروُ هذي.. بدعةٌ ضد الكتابْ
إن عدلَ الناسِ ثلجُ.. إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
أعطني الناي وغنِ.. فالغنا عدلُ القلوبْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الذنوبْ
* * *
والحقُّ للعزمِ والأرواح إن قويتْ
سادتْ وإن ضعفتْ حلت بها الغيرُ
ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
وفي الزرازير جُبن وهي طائرة
وفي البزاةِ شموخٌ وهي تحتضرُ
والعزمُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ أم نكروا
فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم إذا ما رأَوا أشباههم نفروا
* * *
ليس في الغابات عزمٌ.. لا ولا فيها الضعيفْ
فإذا ما الأُسدُ صاحت.. لم تقلْ هذا المخيفْ
إن عزم الناس ظلٌّ.. في فضا الفكر يطوفْ
وحقوق الناس تبلى.. مثل أوراق الخريفْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا عزمُ النفوسْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تفنى الشموسْ
* * *
والعلمُ في الناسِ سبلٌ بأنَ أوَّلها
أما أواخرها فالدهرُ والقدرُ
وأفضلُ العلم حلمٌ إن ظفرت بهِ
وسرتَ ما بين أبناء الكرى سخروا
فان رأيتَ أخا الأحلام منفرداً
عن قومهِ وهو منبوذٌ ومحتقرُ
فهو النبيُّ وبُرد الغد يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمس تأتزرُ
وهو الغريبُ عن الدنيا وساكنها
وهو المهاجرُ لامَ الناس أو عذروا
وهو الشديد وإن أبدى ملاينةً
وهو البعيدُ تدانى الناس أم هجروا
* * *
ليس في الغابات علمٌ.. لا ولا فيها الجهولْ
فإذا الأغصانُ مالتْ.. لم تقلْ هذا الجليلْ
إنّ علمَ الناس طرَّا.. كضبابٍ في الحقولْ
فإذا الشمس أطلت.. من ورا الأفاق يزولْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا خير العلومْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تطفي النجومْ
* * *
والحرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ وهو لا يدري فيؤتسرْ
فان تحرَّر من أبناء بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى ويفتكرُ
فهو الأريب ولكن في تصلبهِ
حتى وللحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
وهو الطليقُ ولكن في تسرُّعهِ
حتى إلى أوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ
* * *
ليس في الغابات حرٌّ.. لا ولا العبد الدميمْ
إنما الأمجادُ سخفٌ.. وفقاقيعٌ تعومْ
فإذا ما اللوز ألقى.. زهره فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ.. وأنا المولى الكريمْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا مجدٌ اثيلْ
وأنين الناي أبقى.. من زنيمٍ وجليلْ
* * *
واللطفُ في الناسِ أصداف وإن نعمتْ
أضلاعها لم تكن في جوفها الدررُ
فمن خبيثٍ له نفسان واحدةٌ
من العجين وأُخرى دونها الحجرُ
ومن خفيفٍ ومن مستأنث خنثِ
تكادُ تُدمي ثنايا ثوبهِ الإبرُ
واللطفُ للنذلِ درعٌ يستجيرُ بهِ
إن راعهُ وجلٌ أو هالهُ الخطرُ
فان لقيتَ قوياًّ ليناً فبهِ
لأَعينٍ فقدتْ أبصارها البصرُ
* * *
ليس في الغابِ لطيفٌ.. لينهُ لين الجبانْ
فغصونُ البان تعلو.. في جوار السنديانْ
وإذا الطاووسُ أُعطي.. حلةً كالأرجوان
فهوَ لا يدري أحسنْ.. فيهِ أم فيهِ افتتان
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا لطفُ الوديعْ
وأنين الناي أبقى.. من ضعيفٍ وضليعْ
* * *
والظرفُ في الناس تمويهٌ وأبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون الاقتدا مهروا
من مُعجبٍ بأمورٍ وهو يجهلها
وليس فيها له نفعٌ ولا ضررُ
ومن عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
ومن شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
وظلهُ قمراً يزهو ويزدهرُ
* * *
ليس في الغاب ظريف.. ظرفهُ ضعف الضئيلْ
فالصبا وهي عليل.. ما بها سقمُ العليلْ
إن بالأنهار طعماً.. مثل طعم السلسبيلْ
وبها هولٌ وعزمٌ.. يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا ظرفُ الظريفْ
وأنين الناي أبقى.. من رقيق وكثيفْ
* * *
والحبُّ في الناس أشكالٌ وأكثرها
كالعشب في الحقل لا زهرٌ ولا ثمرُ
وأكثرُ الحبِّ مثلُ الراح أيسره
يُرضي وأكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
والحبُّ إن قادتِ الأجسام موكبهُ
إلى فراش من الأغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ
يأبى الحياة وأعوان له غدروا
* * *
ليس في الغاب خليع.. يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فإذا الثيران خارتْ.. لم تقلْ هذا الهيامْ
إن حبَّ الناس داءٌ.. بين حلمٍ وعظامْ
فإذا ولَّى شبابٌ.. يختفي ذاك السقامْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا حبٌّ صحيحْ
وأنينُ الناي أبقى.. من جميل ومليحْ
* * *
فان لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
والناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ أو يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
وليس في تلك ما يحلو ويعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي وما اختبروا
* * *
ليس في الغابات عذلٌ.. لا ولا فيها الرقيبْ
فإذا الغزلانُ جُنّتْ.. إذ ترى وجه المغيبْ
لا يقولُ النسرُ واهاً.. إن ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى.. عندنا الأمر الغريبْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا خيرُ الجنون
وأنين الناي أبقى.. من حصيفٍ ورصينْ
* * *
وقل نسينا فخارَ الفاتحينَ وما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذي القرنين مجزرةٌ
وفي حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
وفي انكساراتِ هذا الفوزُ والظفرُ
والحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمر للوحي لا للسكر ينعصرُ
* * *
ليس في الغابات ذكرٌ.. غير ذكر العاشقينْ
فالأولى سادوا ومادوا.. وطغوا بالعالمين
أصبحوا مثل حروفٍ.. في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى.. عندنا الفتح المبينْ
أعطني الناي وغنّ.. وانس ظلم الأقوياء
إنما الزنبق كأسٌ.. للندى لا للدماء
* * *
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى إذا جاءَهُ يبطي ويعتكرُ
لم يسعد الناسُ إلا في تشوُّقهمْ
إلى المنيع فإن صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً وهو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
* * *
ليس في الغاب رجاءٌ.. لا ولا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا.. وعَلىَ الكل حصلْ
وبما السعيُ بغابٍ.. أَملاً وهو الأملْ
إنما العيش رجاءً.. إِحدى هاتيك العللْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا نارٌ ونورْ
وأنين الناي شوقٌ.. لا يدانيهِ الفتورْ
* * *
غايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها ولا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت وانقضى الخبرُ
كأنما هي.. أثمار إذا نضجتْ
ومرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
وذا يقول هي الأجسام إن هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ ولا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الأثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى ولا هي في الأرواح تختصرُ
فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ
إلا ومرَّ بها الشرقيْ فتنتشرُ
* * *
لم أجد في الغاب فرقاً.. بين نفس وجسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى.. والندى ماءٌ ركدْ
والشذا زهرٌ تمادى.. والثرى زهرٌ جمدْ
وظلالُ الحورِ حورٌ.. ظنَّ ليلاً فرقدْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي أبقى.. من غبوق وصبوحْ
* * *
والجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى وينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ ولا عسرُ
لكن في الناس أشباحا يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل ولم يحبل بها المدرُ
وكم عَلَى الأرض من نبتٍ بلا أَرجٍ
وكم علا الأفق غيمٌ ما به مطرُ
* * *
ليس في الغاب عقيمٌ.. لا ولا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً.. حفظت سر النخيلْ
وبقرص الشهد رمزٌ.. عن فقير وحقولْ
إنما العاقرُ لفظ.. صيغ من معنى الخمولْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا جسمٌ يسيلْ
وأنينُ الناي أبقى.. من مسوخ ونغولْ
* * *
والموتُ في الأرض لابن الأرض خاتمةٌ
وللأثيريّ فهو البدءُ والظفرُ
فمن يعانق في أحلامه سحراً
يبقى ومن نامَ كل الليل يندثرُ
ومن يلازمُ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر مَنْ خفّت عناصره
يجتازه وأخو الأثقال ينحدرُ
* * *
ليس في الغابات موتٌ.. لا ولا فيها القبور
فإذا نيسان ولىَّ.. لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولِ الموت وهمٌ.. ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعاً.. كالذي عاش الدهورْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا سرُّ الخلود
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الوجود
* * *
أعطني الناي وغنِّ.. وانس ما قلتُ وقلتا
إنما النطقُ هباءٌ.. فأفدني ما فعلنا
هل تخذتَ الغاب مثلي.. منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي.. وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ.. وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً.. في كؤُوس من أثيرْ
هل جلست العصر مثلي.. بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ.. كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ.. ولمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ وهي عطرٌ.. ولمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً.. وتلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي.. ناسياً ما قد مضى
وسكوت الليل بحرٌ.. موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ.. خافقٌ في مضجعكْ
أعطني الناي وغنِّ.. وانسَ داًْء ودواء
إنما الناس سطورٌ.. كتبت لكن بماء
ليت شعري أي نفعٍ.. في اجتماع وزحامْ
وجدالٍ وضجيجٍ.. واحتجاجٍ وخصامْ
كلها إنفاق خُلدٍ.. وخيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ.. فهو في بطءٍ يموتْ
* * *
العيشُ في الغاب والأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثر
لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
وللتقادير سبلٌ لا تغيرها
والناس في عجزهم عن قصدهم قصروا.
شكرا أعجبني التعريف واصلو 👍
ردحذف