لوحة الظليم في الشعر الجاهلي.. ضآلة قدرة مشهد الظليم على استيعاب الآثار النفسية لمواقف الصراع الأكثر شيوعا في الحياة الجاهلية

قصة الظليم في شعر علقمة بن عبدة: تحليل أدبي

تميز علقمة بن عبدة بشعره الفريد الذي تناول فيه مختلف جوانب الحياة الجاهلية، إلا أنّه برز بشكل خاص في وصف الظليم، متفوقاً على جميع شعراء عصره الذين تناولوا الموضوع نفسه.

فما السر وراء تفوق علقمة؟

يكمن السر في دقة وصفه لهذه الصورة الفنية، حيث لم يكتفِ بتقديم لوحة سريعة ومختصرة، بل تأنى في رسم تفاصيلها ونقلها إلينا بكلّ أبعادها، مستخدماً حواسه المختلفة: البصر والسمع والحركة.

يُظهر لنا علقمة الظليم بعد أن أكل الربيع، فتُصبح قوائمه وأطراف ريشه وكل شعره حمراء. ثمّ ينطلق بنا الشاعر في رحلة مع الظليم الذي يبدأ بالقلق مع ظهور بوادر العاصفة، فيُسرع الخطى خوفاً على بيضه.

وتزداد روعة المشهد عندما يصف علقمة مشاعر الظليم بدقة متناهية، فنراه يركض مسرعاً، خافضاً رأسه، رافعاً ظلفه، حتى كاد يمزق جلده.
ولا يكتفي علقمة بذلك، بل يُدخلنا في تفاصيل عودة الظليم إلى عشه، حيث يطوف حوله مرتين للتأكد من عدم وجود خطر، قبل أن يدخل ويلتقي بفراخه.

ويبلغ المشهد ذروته عندما يصف علقمة مشاعر الفرح التي تغمر الظليم عند لقاء فراخه، فتضجّ الحياة في عروقه، ويُعلن عن حبه بكلّ ما أوتي من قدرة.
إنّ قصة الظليم لِعلقمة بن عبدة هي قصة متكاملة الفصول والمشاهد، اهتمّ فيها الشاعر بوصف الصوت واللون والحركة والهيئة، بدقة متناهية، مُتتبعاً مشاعر الظليم في كلّ مراحل القصة.

فقد برزت عبقرية علقمة في قدرته على التقمص لحظات الفرح والتوجس والرضا عند الظليم، ناقلاً لنا صورة حيّة عن الحياة البرية بكلّ تفاصيلها.
ولعلّ هذه القصّة خير دليل على إبداع علقمة وتميزه في وصف الطبيعة، ممّا جعله يُلقّب بـ "الفحل".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال