شخصية البطل في رواية قنديل أم هاشم ليحيى حقي ومدى نجاح المؤلف في بناء تلك الشخصية وتصويرها



+ تناول بالتحليل شخصية البطل في رواية قنديل أم هاشم ليحيى حقي، وبين مدى نجاح المؤلف في بناء تلك الشخصية وتصويرها.

- حينما أشرف إسماعيل على الموت، وتعب قلبه، واحتبست ضحكاته في حلقه، أصبحت عيناه تقولان للناس: "ليس كل ما في الوجود أنا وأنت هناك جمال وأسرار ومتعة وبهاء، السعيد من أحسها" هذه النغمة التي انتهت بها حياة إسماعيل كلفه الوصول إليها جهاد فكري وروحي أوشك أن يعصف بحياته أودى بعقله أو كاد وشرده بعيدا عن أسرته وجعله يكفر بالوطن والدين والأهل والقوم.

فقد كان إسماعيل فتى قرويا عاش في القاهرة، نشأ في حراسة الله ثم أم هاشم لم تخرج حياته قط عن الحي والميدان... وكان يخرج إلى النيل حيث اندمج مع البيئة، وكان  متدينا وما فتئ يزور الشيخ درديري خادم مقام الست في اغلب الليالي بعد صلاة العشاء يتندر بحديثه، فيحكي له درديري عن ليالي الحضرة حينما تظهر الست يحف بها عن يمين وشمال الإمام الشافعي والسيدة سكينة وفاطمة النبوية للنظر من ظلامات الناس.

يرى إسماعيل في القنديل نور إيمانه، هو نور الله يوقد من شجرة مباركة.
ويسافر إسماعيل إلى أوروبا بعد أن تصطرع الأفكار والأحاسيس في روح أبيه حتى ينقذه الهاتف في المنام  "توكل على الله".

وتخشى فاطمة على إسماعيل من نساء أوروبا, ويتزود ليلة السفر من مقام أم هاشم ومن قنديلها المضيء بنور الروح.

سبع سنوات قضاها إسماعيل في إنجلترا، تعلم فيها إلى جوار طب العيون أشياء كثيرة لقنته إياها امرأة ولا كل النساء، قالت له ماري، أن العطف ضعف، والحب قيد، والحياة مجادلة.. ووهبته نفسها.

واستيقظ ذات يوم فإذا بروحه خراب الدين خرافة، وقوة الفرد في انعزاله وفرديته، أما الاندماج - أسلوب إسماعيل في العيش وسر قوته الروحية والنفسية - فضعف ونقمة.

هدمت ماري كل القيم الثمينة ولم تترك له إلا بعض المظاهر مثل جمال الطبيعة والفن والموسيقى ومغانم روحية اقل من الإيمان خطرا.

وقال لنفسه: قد علمتني ماري أن استقل بنفسي، ولكنها في الحق لم تزد على أن بصرته بنفسه وأثارت وعيه بمكانه من وطنه.

ومكان وطنه منه ومكانهما جميعا من العالم، غيرت ماري من طبيعة حبه لبلاده فجعلت هذا الحب واعيا عالما بعد أن كان غافلا غريرا.
لذلك قوي شعوره بالاتصال بأهله وبني وطنه وبلاده.

كان وهو في مصر يشعر بأنه ذرة اندمجت وسط الرمال. وأما الآن بعد الاتصال بماري فهو حلقة في سلسلة طويلة تشده وتربطه ربطا إلى وطنه. كان من قبل يراها من زاوية الإيمان، أما الآن يراها من زاوية العلم والمنطق.

ويعود إسماعيل إلى داره، فينكر فيها ضيقها وظلامها وضوء مصباح البترول، تبدو له بالية الأثاث.. كأنما أهلها مهاجرون في دار الغربة.. وأمه طيبتها سلبية.. وأبوه اشتعل رأسه شيبا وظهرت عليه سمات الإعياء وطول الصبر.

وأما فاطمة النبوية هي شابة قرأت فاتحتها على إسماعيل وهي رمداء، وأمه تقطرها بزيت قنديل أم هاشم، ويغضب إسماعيل طبيب العيون وأمه تعالج عيني فاطمة بخرافات زيت القنديل وثار إسماعيل ثورة مفاجئة عارمة، فابتعدت أمه عنه وحفزت الأب إلى الاحتجاج وإنكار كفر الولد الآيب من سفر طويل سبع سنوات، وطوح الطبيب الشاب بزجاجة الزيت إلى الشارع واتبع هذا الكفر بكفر أبشع هولا فاعمل عصا أبيه في قنديل أم هاشم فهي ثورة على نفسه بقدر ما هي ثورة على الغير.

أبدا لا يستطيع الانفصال كما لقنته ماري. ويهرب إلى أوروبا المحلية في بنسيون مدام افتاليا
لعله يكون قادرا على شفاء ما بنفسه من آلام.

ويحاول أن يعالج فاطمة عن طريق العلم الحديث التي لقنته إياه أو روبا ويفشل وتتفاقم حالة فاطمة لان المريض لا يؤمن بالطبيب، ولان الطبيب يدوس بأقدام الاحتقار الغليظة إنسانية المريض.

ويهل رمضان فيتصالح إسماعيل مع روحه، يسال نفسه وقد رأى الكائنات والأشياء من حوله تكتسي ثوبا جديدا.

لماذا عدت خائبا من أوروبا، وجعبتي محشوة بالعلم؟ وسرعان ما يجيئه الجواب: "لقد حاولت أن تبقى أنت، وتلغي من الوجود سائر الناس، حاولت أن تنفصل وأنت لا تملك إلا الاتصال، فالمصريون ليسوا مجرد جنس سمج ثرثار اقرع أمرد، عار حاف، بل هو شعب حافظ على طابعه وميزته رغم تقلب الحاكمين.

وتحل ليلة القدر فيتصالح إسماعيل مع شكل الإيمان كما تصالح من قبل مع الإيمان، ويدخل مقام الست مطأطئ الرأس فيري المقام وقد زينته خمسون شمعة والخاطئة السمراء جاءت توفي بالنذر. لقد تاب الله عليها بعد سبع سنين من الصبر، وها هي تستقبل الحياة الشريفة بشمعات خمسين تنير بها المقام.

وتقبل إسماعيل زيت القنديل هدية من الشيخ درديري ثم عاد إلى الدار وعالج فاطمة وشفاها ثم تزوجها وأنجبت خمسة من البنين وستة من البنات واصبح طبيبا  للعيون يداوي الفقراء بعلم أوروبا ووسائل من صنعه هو.

وعندما اشرف على الموت كانت عيناه تنطلقان بالسعادة وتقولان للناس: ليس كل ما في الوجود أنا وأنت، هناك جمال وأسرار ومتعة وبهاء.. ثم مات.

 لقد نجح المؤلف في تصوير تلك الشخصية وحيث ربط بين أحداث القصة وكان هناك مفاجآت وتشويق لمتابعة القصة.

فيحيى حقي قص علينا الحكاية العذبة حيث العذابات الروحية الجارحة التي كان يلقاها  الجيل السابق من المثقفين المصريين حيث نهل من ينبوع الحضارة الغربية المتقدمة ثم عاد إلى بلاده فوجدها على حال من التأخر والجهل. 


المواضيع الأكثر قراءة