موقف القضاء المغربي من القيمة الإثباتية للشهادة الطبية.. إثبات تعرض شخص ما لعنف ترتبت عنه مدة عجز معينة أو جناية هتك عرض قاصرة بالعنف



موقف القضاء المغربي من القيمة الإثباتية للشهادة الطبية:

يجد  القضاء المغربي نفسه يوميا في  مختلف المواد، أمام شواهد طبية مختلفة يطلب منه إبداء موقفه من قيمتها الإثباتية للبث في الدعوى المعروضة عليه.

تكييف جريمة الضرب والجرح:

ففي المادة الجنائية يعتمد القضاء الواقف على الشهادات الطبية في تكييفه لجريمة الضرب والجرح العمديين، أو غير العمديين وهي المتابعة التي يتبناها القضاء الجالـس في حكمه بالإدانة، بل إن هذا الأخير كثيرا ما يعتبر هذه الشهادات قرينة على تبادل الضرب والجرح عند إنكار المتهمين أمامه وفي محاضر الضابطة القضائية، مع انعدام الشهود.

ويبقى هذا الموقف الأخير محل نظر، على اعتبار أنه إن كان من شأن الشهادة الطبية أن تثبت تعرض شخص ما لعنف ترتبت عنه مدة عجز معينة، فإنه ليس من شأن هذه الشهادة أن تثبت أن شخصا محددا هو الذي عرضه لهذا العنف.
وبالتالي فإنه لا يصح الاعتماد عليها وحدها لإدانة متهم لمجرد ادعاء المضرور بأنه المتسبب في العنف الذي تعرض له.

إثبات جناية هتك عرض قاصرة بالعنف:

كما أن المجلس الأعلى قد رفض عن صواب الاعتماد على الشهادة الطبية من أجل إثبات جناية هتك عرض قاصرة بالعنف، دون بيان مضمون هذه الشهادة وغيره من المعطيات التي من شأنها أن تؤدي منطقا وعقلا إلى الإدانة.

حوادث الشغل:

وفي مادة حوادث الشغل يعتمد القضاء على الشهادات الطبية في تحديد مدة العجز الكلي المؤقت ونسبة العجز الجزئي الدائم العالق بالضحية عند صرف النظر عن الخبرة لعدم أداء أتعابها، أو عند عدم المنازعة في هذه الشهادات من لدن شركة التأمين، كما ذهبت إلى ذلك المحكمة الابتدائية بفاس أكثر من مرة.

فساد التعليل الموازي:

وكما يستفاد من مفهوم مخالفة القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 24 أكتوبر 1995 الذي جاء في حيتياته "وحيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة على القرار، لأن المحكمة ردت طلب إجراء خبرة طبية بكون نسبة العجز تتناسب مع الأضرار التي بقيت عالقة بالضحية استنادا للملف الطبي، في حين أنه لا توجد سوى شهادة طبية منازع فيها صادرة عن الطبيب المعالج، ولم تبرز المحكمة الأساس الذي اعتمدته حين اعتبرت أن الإصابة ملائمة لنسبة العجز فكان قرارها فاسد التعليل الموازي لانعدامه والموجب للنقض".

إصلاح تاريخ الازدياد:

أما في مادة الحالة المدنية فإن القضاء يرفض الاستناد على الشهادة الطبية المحددة لسن الشخص لأجل الاستجابة لطلب إصلاح تاريخ ازدياده "لأنها عادة ما ترد على وجه التقريب فقط ولا تتضمن السن بالضبط بالإضافة إلى أنها تتضمن ما صرح به طالبها ولا تعتمد على معطيات علمية دقيقة في تحديد السن"، وإنما تقوم "على المعاينة المادية الظاهرية فقط وهي لا تكفي لإثبات سن الشخص المعاين خصوصا وأن عددا من الأشخاص قد لا تظهر سنهم الحقيقية عند الاطلاع على مظاهرهم الخارجية"، لذلك فإنه "لا يثبت الخطأ في سجل الحالة المدنية بشهادة طبية غير مثبتة لواقعة الولادة".

لكن الإشكال يثار في المادتين المدنية والشرعية، عندما يكون على القضاء إبداء موقفه من حجية الشهادة الطبية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقد، وفي إثبات ونفي النسب إذ نجد أنفسنا أمام اتجاه قضائي جدير بالتحليل والمناقشة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق