الأسباب البيئية لانهيار الحضارات.. زوال حضارات المايا والازتك (هنود أمريكا اللاتينية) وحضارة الخمير بسبب سوء استخدام المياه والإسراف في بناء السدود وتغيير الوضع الهيدرولوجي للبلاد



الأسباب البيئية لانهيار الحضارات:

من خلال علوم التاريخ والآثار يمكن التعرف إلى بعض الحضارات التي تعرضت للفناء لأسباب مختلفة، منها أسباب بيئية في كثير من الحالات. لأنها كانت ضحايا أخطائها وإفراطها في استثمار الموارد الطبيعية المتاحة لديها، من هذه الحضارات ما كان قائماً في حوض البحر المتوسط، وأسهم قطع أشجار الغابات في اليونان وسورية ولبنان (أرز لبنان) في تدهور البيئة والقضاء على الحضارات التي كانت قائمة هنا.

حضارة سبأ وسد مأرب:

وهذا الأمر ينطبق على حضارة سبأ في جنوب اليمن، الذين بلغوا بفضل الله  درجة عالية من التحضر مكنتهم من التحكم في مياه الأمطار وبناء سد مأرب، ولكنهم أعرضوا عما أمرهم به الله، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد.

كما أن هذا السد لم يستوعب الأمطار الغزيرة التي هطلت على المنطقة، وحطمت السد وجرفته وجرفت معها كل شيء، وأدى ذلك إلى تغيرات سلبية في النظام البيئي اختفت معه هذه الحضارة العريقة.

وقد ذكرت هذه القصة في القرآن الكريم إذ يقول تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجازي إِلاَّ الْكَفُورَ) (سبأ 15، 16، 17).

زوال حضارات المايا والازتك:

ومن الحضارات والإمبراطوريات التي زالت لأسباب بيئية بالدرجة الأولى، حضارات المايا والازتك وهم هنود أمريكا اللاتينية، وكانت لدى المايا إمبراطورية مزدهرة بين (320-987م)، ولكنها تلاشت لأسباب بيئية مناخية، وهذا يبين الدور الكبير الذي تلعبه التغيرات المناخية والبيئية في نشوء الحضارات، وفي اندثارها أيضاً.

حضارة الخمير:

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على حضارة الخمير التي قامت في الشرق الأقصى، بين القرنين التاسع والثاني عشر الميلادي، وهذه الحضارة اندثرت في غالب الأحوال، بسبب سوء استخدام المياه والإسراف في بناء السدود وتغيير الوضع الهيدرولوجي في هذه البلاد، مما أدى إلى فقدان التوازن التدريجي بين الإنسان وبيئته.

معرفة تغيرات البيئة من خلال علوم التاريخ والآثار:

وهكذا نستطيع من خلال علوم التاريخ والآثار معرفة زمان التغيرات التي تعرضت لها البيئة ومكانها، وأن هذه التغيرات ليست وليدة اليوم، وليست مقتصرة على مكان دون آخر، وهي تعكس تطور ثقافة البشر وتراكم خبراتهم، واختلاف تأثيرهم في البيئة عبر المراحل التاريخية.