مناسبة قصيدة فتح عمورية لأبي تمام.. سيطرة الجيش البيزنطي على زبطرة وإباحتها للسبي والدمار والحريق وسوق الكثيرين من اهلها الى القسطمطينية



كانت بلدة زبطرة معقلا من معاقل المسلمين التابعين لخلافة المعتصم، موقعها على الخط الذي يفصل أرض العرب عن أرض الروم اغار عليها الامبراطور الرومي تيوفيل سنة 837م يسانده اقوام مختلفوا الجنسيات، يروى أن الجيش البيزنطي أباح زبطرة للسبي والدمار والحريق وساق الكثيرين من أهلها الى القسطمطينية.

وبلغ المعتصم ما كان من أمر الروم في تلك البلدة العربية كما بلغه خبر المرأة التي استغاثت به وهي تساق بعنف إلى الأسر فصاحت (وامعتصماه)، فقام لحينه فجمع العسكر في دار العامة على حد قول الطبري وأحضر قاضي بغداد وثلاثمائة وعشرين رجلا، فأشهدهم على ما وقف من الضياع وما يجب أن يصير بعده من أمر الخلافة ومضى بجيشه إلى عمورية وحاصرها خمسة وخمسين يوما، استطاع بعدها المعتصم ان يدك الحصون ويدخل عمورية، ثم يعود إلى سامراء عودة المنتصر.

هذه هي المناسبة الكبرى التي حركت شاعرية أبي تمام فقال بائيته المشهورة التي تغنت فيها باعمال المعتصم وبطولة جيشه في فتح عمورية المعقل الرومي المنيع.

فقد كتب أبو تمام هذه القصيدة بعد النصر الذي حققه الخليفة العباسي المعتصم حينما فتح عمورية مسقط رأس الإمبراطور الروماني (تيوفل)، و كانت هذه المعركة بمثابة رد على اعتداء إمبراطور الروم على بلدة (زبطرة) العربية، التي عاث فيها الروم فسادا و قتلا وتدميرا، وانتقاما لما حل بتلك المرآة العربية حينما اعتدى عليها، فهتفت مستنجد (وامعتصماه).

ففي هذه القصيدة نجد أن الشاعر سخر من المنجميمين ، حينما حذروا المعتصم من فتح عمورية، و أكد الشاعر في هذه الأبيات على أن الحرب وحدها هي سبيل المجد والنصر و الحقيقة.

شرح الأبيات:

الفكرة الأولى:
تمجيد القوة والسخرية من المنجمين(1-4)
1- السَيفُ أَصدَقُ إنبـاءً مِـنَ الكُتُـب ِفي حَدِّهِ الحَدُّ بَيـنَ الجِـدِّ وَاللَعِـبِ
- السيف اصدق: استعارة مكنية حذف المشبه به وهو" الإنسان" وذكر شيء من لوازمه وهو "الصدق".

- شرح البيت:
لقد ارجف المنجمون، وخوفوا من الاتجاه نحو عمورية، وتحدثوا عن أحداث جسام ستتمخض عنها الأيام،.
فماذا كان؟ استمر الزحف يقوده الخليفة، فحقق النصر، وأبطل بسيفه ما ارجفوا به، واثبت السيف انه اصدق من كتبهم، وان حده قد ميز الحق من الباطل المفترى

2- بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في مُتونِهِـنَّ جَـلاءُ الشَـكِّ وَالرِيَـبِ
- بيضُ الصَفائِحِ: كناية عن السيوف.
- سودُ الصَحائِفِ: كناية عن كلام المنجمين.

- شرح البيت:
بياض السيف بدد ظلام الشك الذي القوه على النفوس من خلال ما قرأوه في أوراقهم وكتبهم السود التي تنقل كما يقولون عن الشهب والنجوم، فما يكون لظلام الشك الذي يتسلل من هذه الصحف أن يثبت أمام لمعان السيوف وبياضه.

3- وَالعِلمُ في شُهُـبِ الأَرمـاحِ لامِعَـة ًبَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
- الصورة الفنية: شبه الرماح بالشهب اللامعة التي تظهر في السماء.

- شرح البيت:
والحق أن أنباء النصر والهزيمة، يأتي من أسنة الرماح تؤدي دورها في المعركة. إن هذه الأسنة بلمعانها وحركتها وتأثيرها هي الشهب التي يجب أن نضرع أليها حين نطلب النصر وليس بالنجوم التي اعتمدوا المنجمين عليها 4- أَينَ الرِوايَةُ بَل أَيـنَ النُجـومُ وَمـا صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَـذِبِ

4- أَينَ الرِوايَةُ بَل أَيـنَ النُجـومُ: الاستفهام يفيد التهكم والسخرية.

شرح البيت:
يسخر الشاعر ويستهزأ من المنجمين ويقول، أين روايتكم عن كتبكم؟ بل أين تلك النجوم التي افتريتم عليها، ونسبتم إليها ما أذعتموه من أكاذيب قدمتموها في عبارات منمقة خداعة لتخلعوا بدل القوة،

الفكرة الثانية:
عظمة الفتح والفرحة بالنصر الأبيات (5-7).

5- فَتحُ الفُتوحِ تَعالـى أَن يُحيـطَ بِـهِ نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَـبِ

- شرح البيت:
يعبر الشاعر عن عظمة فتح عمورية ويصفه بفتح الفتوح، ومن عظمة هذا الفتح
يعجز الشعر والنثر عن الوفاء بحقه ووصفه .

6- فَتـحٌ تَفَتَّـحُ أَبـوابُ السَمـاءِ لَـهُ وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِهـا القُشُـبِ
- تَفَتَّـحُ أَبـوابُ السماء له: شبه السماء بصورة "البيت" فحذف المشبه به وذكر شيء من لوازمه على "أبواب" سبيل الاستعارة المكنية.
- وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِهـا القُشُـبِ: وشبه الشاعر الأرض بإنسان يرتدي ثوب جديد فحذف المشبه به وهو " الإنسان" وذكر شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية

- شرح البيت:
هذا الفتح العظيم تستبشر به السماء فتتلقاه متفتحة الأبواب، وتبتهج به الأرض
فتبدو في زينتها وجلالها كالإنسان الذي يرتدي أجمل ثيابه.

7- يا يَومَ وَقعَـةِ عمورية اِنصَرَفَـت مِنكَ المُنى حُفَّـلاً مَعسولَـةَ الحَلَـبِ
- مِنكَ المُنى حُفَّـلاً مَعسولَـةَ الحَلَـبِ: شبه تحقيق الأماني بالنصر على الأعداء بصورة الناقة التي امتلأ ضرعها باللبن فحذف المشبه به"الناقة" وذكر شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

- شرح البيت:
يبرز الشاعر فرحته وإعجابه بفتح عمورية وتحقيق أماني المسلمين فعادوا
فرحين منتصرين شبه ذلك بالحليب الممزوج بالعسل في ضرع الناقة وهنا كنايه على حلاوة النصر.

الفكرة الثالثة:
تصوير الدمار والحريق الذي أصاب عمورية : الأبيات (8-10)

8- لَقَد تَرَكـتَ أَميـرَ المُؤمِنيـنَ بِهـا لِلنارِ يَوماً ذَليلَ الصَخـرِ وَالخَشَـبِ

- شرح البيت:
يصف الشاعر الدمار الذي أصاب مدينة عمورية بعد أن فتحها المعتصم حيث يقول فقد أوقعت بها وغادرتها مهدمة، فر عنها أهلها، فاستوحشت ساحتها وميادينها، وتأكلها النيران، فذلت أمام سطوتها صلابة الصخر والخشب .

9- غادَرتَ فيها بَهيمَ اللَيلِ وَهوَ ضُحـىً يَشُلُّهُ وَسطَها صُبـحٌ مِـنَ اللَهَـبِ
- وهو ضحى: صور الليل قد ارتد باهر الضوء بصورة الضحى،

- شرح البيت:
يتابع الشاعر بوصف الدمار الذي حلّ بمدينة عمورية فننشر في ظلام ليلها صبحا من اللهب، فإذا الليل ضحى، كأن الشمس لم تغب، أو كأن الليل ضاق بثيابه، السود فنزعها.

10- رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم تصب

- شرح البيت:
تحقق النصر بإرادة الله عز وجل واستطعت تدمير دولة الكفر لأنك كنت مع الله عز وجل ولو اعتمد على غير الله لما تحقق هذا النصر المبين.

الفكرة الرابعة:
الإشادة بالخليفة المعتصم الأبيات(11-13)

11- تَدبيـرُ مُعتَصِـمٍ بِالـلَـهِ مُنتَـقِـم لِلَّـهِ مُرتَقِـبٍ فـي اللَـهِ مُرتَغِـبِ

- شرح البيت:
يصف الشاعر المعتصم بأنه:منتقم أي انه ينتقم ويأخذ ثأر المسلمين،وأنه مرتقب أي منتظر للنصر مرتغب انه راغب في رضا الله وجزاءه.

12- لَم يَغزُ قَوماً وَلَم يَنهَض إِلـى بَلَـد إلا تَقَدَّمَـهُ جَيـشٌ مِـنَ الـرَعَـبِ

- شرح البيت:
يصف شجاعة المعتصم بأنه كان دائم الغزو والحروب يقود جيشا ضخما يبث الرعب في نفوس الأعداء .

13- خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَـكَ عَـن جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَـبِ

- شرح البيت:
يدعو الشاعر للخليفة بالخير لأنه بالفتح ينشر الإسلام ويعلي من قوته شأنه.