أزمة الجامعة وتطور التعليم الجامعي.. الكشوف الجغرافية وازدهار حركة التجارة تهميش الجامعة اجتماعيا وظهورالإبداع العلمي والتكنولوجي من خارجها

إنّ قراءة تاريخ تطور الجامعة كفكرة وتنظيم تقدم لنا عدة دروس، يمكن الاستفادة منها عند النظر الآن فى كيفية تطوير تعليمنا الجامعي. ومن أهم الدروس التي يمكن أن نستقرئها من بعض ما كتب عن تطور التعليم الجامعى، نذكر ما يلى:

1- تكمن أزمة الجامعة فى انعزالها عن حركة التغيير الاجتماعى، فانعزالها يهدد بقائها، وحدث هذا مع بداية عصر النهضة، حيث حصرت الجامعة نفسها فى وظيفة التدريس، فى الوقت الذي كانت فيه المجتمعات الأوربية تشهد حركة تغيير واسعة، بفعل الكشوف الجغرافية وازدهار حركة التجارة وظهور بعض التيارات الفكرية الجديدة، وأدى ذلك إلى تهميش الجامعة اجتماعيا وظهورالابداع العلمي والتكنولوجي من خارجها.

 ولم تستعد مكانتها إلاّ بعد أن تواءمت مع حركة التغيير الاجتماعي، وأسفر ذلك عن ظهور أنماط عدّة من التّعليم الجامعي، يستجيب كل منها لظروف ومتغيرات اجتماعية معينة، حيث ظهر النّمط النابليوني للتعلم الجامعى فى فرنسا، وظهر النّمط الليبرالي في المانيا، وأخيرا النّمط البرجماتى الامريكى والذي كان من نتاجاته ظهور تلك النماذج المبدعة، مثل كليات الارض وجامعة المدينة Urban University، والجامعة متعددة الوظائف Multiversity.

واليوم يتكرر المشهد مرة أخرى، حيث نرى الابداع المعرفى ينتقل من داخل الجامعة لمعامل الشركات ومراكز بحوثها، وهذا يحتم على الجامعات أن تعيد موائمة نفسها مرة أخرى حتى يمكنها البقاء الفعال في المجتمع.

2- قد تتحول فكرة الجامعة فى أذهان بعض الإكاديميين إلى فكرة دوجماطيقية، مما يحول دون امكانية تطوير الجامعة من داخلها، فعادة ما تواجه محاولات التطوير مقاومة من جانب الأكاديميين نتيجة ايمانهم بأفكار معينة عن الجامعة، وعن طبيعة العمل الاكاديمى.

ونلمس مثل هذه الافكار ومقابلها فى الجدل حول فكرة الجامعة، بين رؤيتين:

- رؤية تعود لافكار جون هنرى نيومان J  H .Newman:
حيث يعاد اكتشاف هذه الافكار، ويعاد عرضها، والدفاع عنها لرفض تزايد انفتاح الجامعة على المجتمع، ومن ابرز من يعيدون طرح هذه الأفكار الآن: مايكل شاتوك فى مقالته عن "المهددات الداخلية والخارجية لجامعة القرن الحادى والعشرين"، وميشيل أوكاشوت .Oakashott,M في مقالته عن "فكرة الجامعة"، والن بلوم Bloom, A. في كتابة عن "انغلاق العقل الامريكي"، وياروسلاف بيليكان Pelikan, Y. في كتابه "إعادة فحص لفكرة الجامعة"، وجون س. بروباكر Brubacher , J.S فى كتابه "عن الفلسفة فى التعليم العالى".

- رؤية تشايع أفكار كير كلارك  Clark, K:
ومن هؤلاء بيتر سكوتScott, P.
فى "مقالته" فكرة الجامعة فى القرن الحادى والعشرين –المنظور البريطاني"، والمقالات الواردة فى كتاب "ما نوع الجامعة؟ " والذى حرره جون برينان وآخرون Brennan & Others، ونضيف لهؤلاء آراء العديد من علماء الاجتماع، وخاصة من أصحاب نظريات التحديث.

وتحدي التطوير يأتى عادة من الأفكار المحافظة، تلك الأفكار التى تتسم بالمثالية فى رؤيتها للجامعة، ولقد سادت هذه الأفكار داخل ثقافة الحرم الجامعي بفعل عوامل النشأة، وطول الفترة التي ظلت الجامعة برجا عاجيا داخل المجتمع.

ولذا يتوقف نجاح أى عملية تطوير لجامعاتنا على اكتشاف مثل هذه الافكار المقيدة للتطوير، وهذا يتطلب إجراء العديد من الدراسات النقدية و الميدانية عن المجتمع الاكاديمى.

3- إن الكثير من الاصلاحات الجوهرية التى تمت فى التعليم الجامعى أتت من خارجه، سواء كقوى دافعة وملزمة للتطوير، أو من خلال تقديم نماذج مبدعة لا تجد الجامعات بدا من الأخذ بها.

وحسب نظرية أرنست بويرBoyer, E.I. فإن العوامل الخارجية هي التي كانت وراء ظهور الأدوار الحالية للجامعة الواحد تلو الآخر، كما كانت وراء التَّغير في اسلوب ممارسة هذه الأدوار.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال