مهمة المكون بالمدارس العليا.. تبني قيم الانفتاح على الآخر واحترام اختلافه في التفكير والسلوك وخصوصا الالتزام بأخلاقية النقاش



لا جدال في أن المكون هو في الأساس وسيط ومنشط ومستشار، يوجه عمل المكون وبحثه ويغني فعل المتعلم، ضمن عملية تواصلية، يحصل فيها تبادل المعلومات والأخبار.

وينتج عن ذلك ضرورة، أن يساهم هذا الأخير في عملية تكوينه وألا يكون مجرد متلق سلبي للمعارف، كما يترتب عن ذلك، ضرورة الإقرار بأهمية التكوين المستمر، كثابت من ثوابت التكوين بالمدارس العليا.

على مستوى آخر، فإن المكون بهذه المدارس، مطالب بالعمل ضمن فريق تربوي، حيث تشترك مجهودات الأساتذة في البحث والتوثيق والتأطير، وتتفاعل تجاربهم ومواقفهم، في أفق بلورة مشاريع وتصاميم البحث.

وهذا يعني تبني قيم الانفتاح على الآخر واحترام اختلافه في التفكير والسلوك وخصوصا الالتزام بأخلاقية النقاش، كشرط أساسي للتواصل البين ذاتي intersubjectif وللتفاهم، لأن النقاش كما يقول المفكر الألماني هابرماس، يضع أفق التفاهم نصب عينيه.
وهذا الأمر لا يقصي الاختلاف والصراع، بل يستحضرهما من أجل تجاوزهما.

وبطبيعة الحال، فإن ذلك يتطلب قيام تواصل عقلاني، لا يتبني الخطاب الحربي، بل الخطاب الحواري، هذا الابن الشرعي للثقافة الديمقراطية. وكما هو معلوم، فإن الديموقراطية تتأسس من خلال تفكيك مرتكزات اليقين.

ويتعين على الأستاذ الباحث بالمدارس العليا أن يكرس ثقافة الحوار ويعمل على التخلي عن وهمين أساسيين وهما:

1- وهم الاعتقاد بالصلاحية المطلقة لمعاييره (الأخلاقية والبيداغوجية والسياسية).

2- وهم الاعتقاد بكونه حاملا لمعرفة في غير متناول الآخرين، وهو ما ينتج عنه سلوك احتقاري وعدواني تجاه الزملاء.

فالمدرسة العليا للأساتذة، كما يقول المفكر الفرنسي الراحل جاك دريدا في نص له بعنوان: "أين تبدأ هيئة التدريس وكيف تنتهي؟" هي فضاء للنقد ولمواجهة الزبونية ولخلخلة البنية المتمركزة والعسكرية التي يراد ترسيخها و تكريسها داخل هذه المؤسسة.