السفارة فى خلافتي أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب الفاروق.. مهادنة الروم ومصالحتهم ومنح القادة صلاحيات إرسال المبعوثين



  السفارة فى خلافتى الصديق والفاروق (رضى الله عنهما)
 ففي خلافة أبي بكر (ض) رغب في مهادنة الروم ومصالحتهم فأرسل سفارة إلى بلاد الشام، وكان فيها هشام بن العاص الأموي وعبادة بن الصامت الأنصاري ويعلم بن عبد الله، فاستقبلهم إمبراطور الروم، وسلموه رسالة الخليفة ولا نعرف على وجه الدقة ردة فعل الإمبراطور إزاء رسالة الخليفة.

وفى خلافة الصديق (رض) أيضا لم تقتصر السفارات على الخليفة نفسه فقد تمتع القادة بصلاحيات إرسال المبعوثين.

وبهذا الصدد يروى أن خالد بن الوليد أرسل سفارة إلى صاحب ثغر فارس سنة (12هـ/ 633م)، وكتب إلى هرمز قبل خروجه مع قومه: "أما بعد: فاسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر الجزية، وإلا فلا تلومن الا نفسك، فقد جئت بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة" .
وبالرغم من ورود كلمة سفارة لدى الطبري الا إننا نجهل اسم سفير خالد إلى الفرس، واغلب الظن أن الفرس قتلوا السفير المسلم, بدليل إن المعارك قامت على أشدها بين جيوش العرب المسلمين والفرس بعد هذا التاريخ (13-23هـ/ 634- 643م).

وفي خلافة عمر بن الخطاب (ض) نقرأ العديد من النصوص في مصادرنا التاريخية عن سفارات عربية إلى الأمم الأخرى إلى الفرس والبيزنطيين وغيرهم.

فقد ذكر الطبري أن القائد عمرو بن العاص استقبل سفارة من صاحب الإسكندرية لمفاوضة المسلمين قبل دخولهم لها، وأرسل الفاروق عمر (ض) كتابا إلى عمرو يوصيه بالتزام الحذر في المفاوضات قائلا:
"أما بعد، فإنه جاء في كتابك تذكر أن صاحب الإسكندرية عرض أن يعطيك الجزية، على أن ترد له ما أصيب حتى سبايا أرضه، ولعمري جزية قائمة، تكون لن ولبعدنا من المسلمين، أحب إلي من فىء يقسم، ثم كأنه لم يكن فأعرض على صاحب الإسكندرية، أن يعطيك الجزية، على أن يخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومهم، فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين... ومن اختار دين قومه وضع عليه الجزية".

وأوردت المصادر التاريخية سفارات بين عمرو بن العاص والمقوقس زعيم القبط سنة (20هـ/ 640م) فأرسل المقوقس إلى عمر قائلا: "...فابعثوا ألينا رجالا منكم نسمع من كلامهم، فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن يغشاكم جموع الروم، فلا ينفعنا الكلام، ولا نقدر عليه) .

وقد وصل سفراء المقوقس إلى عمرو بن العاص، وحسبهم الأخير يومين وليلتين ليروا حال المسلمين من قوة وإيمان، فلما رجعوا إلى المقوقس قالوا له: "رأينا قوما الموت أحب إليهم من الحياة ...ولو نغتنم صلحهم اليوم، وهم محصورون بهذا النيل، لم يجيبونا بعد اليوم".
فلما سمع المقوقس ما قاله له وفده بعث إلى المسلمين:
"ابعثوا لنا رسلا منكم نعاملهم، ولانتداعى نحن وهم إلى ما عسى أن يكون فيه صلاح لنا ولكم".

فاستجاب عمرو بن العاص لهذه الدعوة فأرسل سفارة تضم عشرة رجاله برئاسة الصحابي عبادة بن الصامت الأنصاري, ووصل الوفد إلى المقوقس فقام عبادة واصفا حال المسلمين وما هم عليه من الإيمان وعدم الخوف من الموت في سبيل الله، فأجاب المقوقس: "أيها الرجل الصالح، قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك.. ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضوها وتنصرفون إلى بلادكم... فقال عبارة: لا تغرن نفسك ولا أصحابك".. ولا نجيبك إليها الا خصلة من ثلاث خصال: أما أجبتم إلى الإسلام وان أبيتم فادوا الجزية ألينا عن يد وانتم صاغرون، وان أبيتم فليس بيننا وبينكم الا المحاكمة بالسيف" .

وبالرغم من قبول المقوقس شرط الجزية الا أن قومه رفضوا تلك الشروط لذلك الوفد، فقامت الحرب بين الطرفين، وعاودت المفاوضات بينهم فأرسلوا وفدا منهم إلى عمرو بن العاص انتهت بتوقيع صلح مقابل دفع الجزية.

لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب (ض) يؤكدعلى الصفات الجسدية والعقلية التي ينبغي أن يتحلى بها السفير، بدليل لما كاتب القائد سعد بن أبي وقاص قبل المفاوضات بين المسلمين والفرس في معركة القادسية سنة (14هـ/ 635م) حينما طلب رستم قائد جيش الفرس رجالا من العرب لمفاوضتهم، أرسل الخليفة عمر بن الخطاب إلى سعد قائلا: "وابعث إليه رجالا من أهل المنظرة والرأي والجلد يدعونه، فإن الله جاعل دعاءهم توهينا لهم، وملجأ عليهم".

ولذلك جمع سعد بن أبي وقاص رجالا لهم وقار وآراء ومنظر وعليهم مهابة.
ولما سمع بذلك عمر (ض) قال: "يؤذن لكم فيقدم أحسنكم اسما، فإذا دخلتم قدموا أحسنكم وجها، فإذا نطقتم ميزتكم ألسنتكم".


0 تعليقات:

إرسال تعليق