إن من أهم هذه التحديات أنها أصبحت تفرض على المدرسة تغيير رؤاها ووظائفها، ومن ثم، يمكن أن يقال بأن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد أخذ بعين الاعتبار هذه التحولات بما هي تحديات تستدعي التعامل معها بحس مسؤولية أكبر وأعمق.
إن المدرسة لم تعد مؤسسة احتكار التربية والتكوين والمعرفة، بل أصبحت تتعرض لمنافسة قوية وشرسة من جهات أخرى، وهو ما يفرض إعادات نظر متجددة ومستمرة لمواجهة وضع المتحول فيه أصبح أكثر من الثابت.
لقد تحددت المدرسة، لمدة طويلة، بوصفها مؤسسة تحول قيما عامة في معايير وأدوار، هذه الأدوار التي لها القدرة على تكوين "شخصيات اجتماعية".
وفي ظل هذا التصور كان الفرد يتحدد بوصفه شخصية اجتماعية تحصل على استقلاليتها بقوة اندماجها الاجتماعي، أي استبطانها للمجتمع. وإذا كانت التربية تحرر الفرد، فإن هذه الحرية يجب ألا تتناقض مع تأسيس شخصيته الاجتماعية على القيم التي يعدها المجتمع قيما مرجعية.
لكن في الوقت الذي لم تعد فيه وحدة المجتمع معطى مباشرا للتجربة، فإن الوضعيات المدرسية لم تعد مضبوطة من خلال أدوار وانتظارات مسندة، وإنما مبنية من خلال فاعلين في الحضور.
إن وحدة مناطق (جمع منطق) الفعل التي كانت تحكم المجتمع، تترك المكان، اليوم، لتنوع في الثقافات وسجلات الفعل.
فالثقافة الحديثة تثمن التنافسية والتعبير عن الذات الفردية، والحق غير القابل للتصرف في إثبات الشخصية.