النصرانية عند عرب الجاهلية.. الانتشار بين الغساسنة وعاملة وجذام وكلب وقضاعة وتغلب وإياد وبكر. مسيحية سطحية لا تخلو من الوثنية



انتشرت بين عرب الشام من الغساسنة، وغيرهم، مثل: عاملة، وجذام، وكلب، وقضاعة. وكانوا على مذهب اليعاقبة، ونفذت ايضاً إلى عرب العراق،  إلى تغلب، وإياد، وبكر. أما قلبُ الجزيرة فقلما تأثر بالنصرانية، لبعد مركزيها: نجران الذي كان معقلها، ويقع في جنوب الجزيرة، وبصرى يقع في بلاد الشام. لذلك لم تفش النصرانية في قبائل مضر، إلا ما كان من قوم منهم نزلوا الحيرة يسمون العباد، فانهم كانوا نصارى.
وقد حاول كثير من المستشرقين، ومَنْ تابعهم من النصارى العرب أن يثبتوا أن النصرانية كان لها كيان وصوت قويان في الجزيرة العربية، سواء في جنوبها أم شمالها. وراح لويس شيخو يدخل في النصرانية مَنْ ليس منها في شيء، "وكأنه زعم نصرانيا كل شاعر جاهلي، لم يوصف صريحاً باليهودية، وورد في شعره شيء مما يتقرب من اعتقاد وحدانية الله"، فقد عدّ امرأ القيس، والنابغة وطرفة، وسلامة بن جندل، وزهير بن أبي سلمى، والأسود بن يعفر، وأوس بن حجر، وعبيد بن الأبرص نصارى، لسقوط أسماء ومصطلحات نصرانية في أشعارهم، مثل الصليب، والناقوس، والفصح…
والحق أن ما تلمّسه لويس شيخو، وغيره، في شعر هؤلاء الشعراء، وغيرهم لا ينهض دليلاً على دين معين، وان ورود إشارات نصرانية في شعرهم، ليست إلا على سبيل التشبيه، والتصوير، واستمداد المعاني، وليست دليلاً على عقيدة دينية آمن بها هؤلاء الشعراء، لأن التعرف على دين من الأديان ليس معناه الاعتراف بذلك الدين واعتناقه. فما الدلالة الدينية مثلاً لقول الأعلم الهذلي الجاهلـي حين يشبه جلود الضباع بسواد ثياب الرهبان، فيقول:
سودٍ سحاليل كأن جلودهنّ ثيابُ راهبِ
ولم يكن للنصرانية سيطرة نفسية على أتباعها من العرب فكانت مسيحيتهم سطحية، لا تخلو من الوثنية، فلم يجد عدي بن زيد حرجاً أن يقسم  برب مكة الوثنية ورب الصليب:
سعى الأعداء  لا يألون شراً عليّ وربِّ مكّة والصليبِ