التضخم السكاني في الصين: من تعويض الخسائر إلى تحديات النمو المعاصر
تُعد الصين المثال الأبرز على التحديات والتحولات الديموغرافية الهائلة في العصر الحديث. فقد شهدت البلاد زيادة سكانية غير مسبوقة خلال القرنين الماضيين، مما حولها من دولة ذات عدد سكان كبير إلى عملاق ديموغرافي يُواجه تحديات فريدة في إدارة موارده وتوفير الخدمات الأساسية لجموع غفيرة من البشر.
تضاعف السكان: مسيرة نمو سكاني مذهلة
تُظهر الأرقام حجم هذا التضخم السكاني بوضوح. فبعد أن كان عدد سكان الصين لا يتجاوز 450 مليون نسمة في عام 1850 (وهو رقم كبير لتلك الحقبة)، شهدت البلاد طفرة سكانية هائلة، خاصة بعد منتصف القرن العشرين:
- بحلول عام 1984، ارتفع العدد بشكل دراماتيكي ليصل إلى 1 مليار و35 مليون نسمة.
- واستمر هذا الارتفاع ليبلغ 1.125 مليار نسمة في عام 1990.
- وبحلول عام 1995، وصل عدد السكان إلى 1.218 مليار نسمة.
هذه الأرقام تُشير إلى معدل نمو سكاني مرتفع للغاية خلال هذه الفترة. يُقدر معدل الزيادة السكانية في تلك المرحلة بحوالي 1.4% سنويًا، وهو ما يُعادل إضافة ما يقارب 17.14 مليون نسمة سنويًا إلى تعداد السكان. هذا يعني أن الصين كانت تُضيف تقريبًا عدد سكان دولة متوسطة الحجم كل عام، مما يضع ضغطًا هائلًا على الموارد والبنية التحتية.
أسباب النمو الديموغرافي: تحولات تاريخية وطبية
1. في الماضي: تعويض الخسائر البشرية:
2. اليوم: التقدم الطبي وتحسن مستوى المعيشة:
في العقود الأخيرة، ومع التطور الكبير في الصين، تغيرت ديناميكيات النمو السكاني. فاليوم، يعود السبب الرئيسي للزيادة السكانية إلى الانخفاض الكبير في نسبة الوفيات، وليس بالضرورة الارتفاع المستمر في معدلات المواليد (التي بدأت الحكومة في تقييدها). هذا الانخفاض في الوفيات يُعزى إلى عاملين رئيسيين:
- التطور الطبي: شهدت الصين قفزة نوعية في مجال الرعاية الصحية والطب. فانتشار اللقاحات، تحسن علاج الأمراض المعدية، وتوفر الأدوية الحديثة، بالإضافة إلى زيادة عدد المستشفيات والكوادر الطبية، كل ذلك ساهم في انخفاض معدلات وفيات الرضع والأطفال، وكذلك زيادة متوسط العمر المتوقع للسكان.
- تحسن مستوى معيشة السكان: أدت الإصلاحات الاقتصادية والنمو السريع إلى تحسن كبير في مستوى معيشة غالبية السكان. هذا التحسن شمل:
- تحسن التغذية: توفر الغذاء بكميات كافية ونوعية أفضل، مما عزز مناعة السكان وقلل من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية.
- تحسن الصرف الصحي والنظافة: مما قلل من انتشار الأمراض المنقولة بالماء.
- زيادة الوعي الصحي: من خلال حملات التثقيف الصحي.
هذه العوامل مجتمعة أدت إلى خلق "فجوة ديموغرافية" حيث انخفضت الوفيات بشكل كبير بينما استمرت معدلات المواليد بالارتفاع لفترة قبل أن تبدأ سياسات تحديد النسل في التأثير. هذا النمو السكاني الهائل وضع ضغوطًا هائلة على الموارد، البيئة، وفرص العمل، مما دفع الحكومة الصينية إلى تبني سياسات سكانية صارمة مثل "سياسة الطفل الواحد" في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، في محاولة للتحكم في هذا التضخم السكاني الذي أصبح يمثل تحديًا كبيرًا للتنمية المستدامة.