إن الجنس حاضر ومنسجم مع الإيقاعات الأخرى التي تدين الواقع الجزائري مضموناً والتي تتواصل وتتكامل بناء وتقنية.
فإيقاع الجنس مثل إيقاع الموت، مثل إيقاع العبث يقدم صورة كئيبة تحدق بالإنسان الجزائري المأزوم الهزيل الممسوخ، الذي يسعى لا إلى تدمير نفسه مادياً ووجوداً فحسب بل إلى تدمير ذاته وهويته وقيمه روحياً وأخلاقياً وموقفاً.
إن صورة الجنس تجسد في الرواية لوحة قائمة متشابكة الخيوط، مختلفة الألوان مبتورة مشوهة كما يراها البطل في واقعه -مخيّلته- وفي عالم اليوم.
كما أن صورة الجنس الرامزة تحمل دلالات مختلفة تبعث بالتالي على التأزّم والاغتراب الأمر الذي ينسجم وجو الرواية العام، والذي يشكل موقفاً من مواقف الرفض والاحتجاج الكثيرة التي تتضمنها الرواية (والروائي بواسطة لوحات حيّة يقدم معنى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة -بين مريم وموظف البريد- من داخل ذوات الشخوص فاستعمل الخيال والرؤى ذات الدلالة الإنسانية بدلاً من الإسهاب المملّ في رسم دقائق العلاقة نفسها).
فإيقاع الجنس في الرواية ترصدها العلاقة الجنسية والشاذة كما يسترجعها البطل في عالمه النفسي، فتجربة صديقته مريم التي انفصلت بإرادتها عن موظف البريد تكشف عن زيف فلسفة الزواج في المجتمع العربي -والجزائري- لأن المرأة عدّت دائماً مجرد سلعة أو آلة جنس لإطفاء نزوات الرجل لكن مريم (تعيد بناء العالم الذكري على مستوى الخيال، حيث تعيد ترميمه وإصلاح عناصره المتهاوية عن طريق خطابها).
قال يا مريم، الرجل رجل وأنت رأسك قاصح، حماقة ليلة البارحة، عندك مسؤولية في حدوثها.
أمه لأول مرة تسلم على رأسي تمتمت بصوت شبه مسموع: الآن صرت امرأة. عندما خرجت من الحجرة، عاود حديثه الذي بدا كالأسطوانة المجروحة المكررة، كنت أظن أ نك لست عذراء، أعترف أني كنت أحمق، ليته صمت، كنت ربما عذرته ووجدت مبرراً لتوحشه فيما بعد. (...) بكيت لشيء غامض لكن في عمقي المنهك والمنتهك وبقدر ما كنت أشعر بالكراهية تزداد، كان ضوء ما يملأ قلبي لست أدري، كيف يتوحش امرؤ إلى هذه الدرجة، أية لذة تغمره وهو يغتصب كائناً ميتاً، لا أعرف ولا أريد أن أعرف أبداً.
منذ تلك الحادثة لم يمسني، وإذا أراد أن ينام معي أصبح من الضروري عليه قتلي أولاً، هو نفسه اكتأب وعاد إلى عاداته القديمة يتركني أنام، ثم يدخل إلى الحمام يشقشق قليلاً، بعادته التي لم تعد سرية ثم يأتي لينام قرير العين، ملّ حياته وتكررت الأيام بسوادها، ذات صباح فاجأني: أعتقد أني لا أصلح لك ولا تصلحين لي.
إن إيقاع الجنس مرسوم بوعي ودقة لتعميق الصورة الشاحبة المأساوية لعالم الرواية الذي يعكس صورة لإنسان اليوم وتأزّمه وشذوذه كما أنه يتزامن ويتواصل فنياً وبناء مع الإيقاعات الأخرى وينسجم معها لتقديم شكل روائي متناغم ومتماسك.
التسميات
باك ج