الإيقاع الروائي وقضايا البطل في سيدة المقام لواسيني الأعرج



إن الإيقاع الروائي في سيدة المقام مرثيات اليوم الحزين يدفعنا إلى أن نتابع بطل الرواية في همومه ومعاناته الذاتية ونربطها بخيوط واضحة بمصادر هذه الهموم المبعثرة في العالم المرئي /الواقع، كما يجعلنا نتابع حركته من مكان إلى آخر، وفي الوقت نفسه نرصد دوافع هذا التحرك ونرصد تجاربه الجديدة وانطباعاته المختلفة عبر الأمكنة والأزمنة التي يتحرك منها وإليها ومن خلال هذه التحركات وهذه التجارب وهذه الأمكنة التي تشكل عالم البطل وعالم الرواية نستطيع أن نقيّم العلاقات المختلفة بين عالمي البطل: النفسي والواقعي، ونقيّم علاقات أخرى ما بين موضوعات الرواية أيضاً، كصور الموت المتكررة وصور الجنس المختلفة ومشاعر العبث وهكذا.

إن حياة البطل وإن بدت محدودة في تحركها من البيت إلى الشوارع إلى الأوبرا تغص بالأحداث والمشاهدات المكثفة والتي تنطوي على آفاق ومشاعر لا حدود لها.

لم يكن البطل –المثقف- في رواية سيدة المقام قضية مجردة معزولة عن القضايا والعلاقات الاجتماعية والسياسية القائمة.

وإنما طرح من خلالها عدة قضايا هامة وتوقف عند نقطة جوهرية كان لابد لكاتب مثل واسيني بتجربته واختياره الفكري والسياسي أن يتوقف عندها، وهي العلاقة بين الثقافة –الديمقراطية- السلطة.

فواسيني ينتمي إلى هؤلاء الذين جردوا من إمكاناتهم ووضعوا خلف أسوار السجون. ولأنه يعرف أن موضوعه الأول سوف يأتي من داخله هو. وفي داخله لم يكن يستطيع أن يتخلص من ذلك الإحساس بالخطر وبالملاحقة.

وبأن ثمة شيئاً مفاجئاً يمكن أن يقع بغتة تماماً كما حلّ بالمدينة، وباء غير معروف راح ضحيته عشرات الناس.

ذلك هو سر الجو العام الذي خلقه الروائي ليوحي بأن هناك خللاً ما في نظام الكون يهتز أمامه كل يقين (فقد أصبح العجز هو الشيء الوحيد اليقيني في عالم تسوده الفوضى).

لقد كتب مكسيم غوركي عن قصة بوشكين -يفغيني أو نيفين- قائلاً: (إن هذه القصة غدا جمالها الأخاذ هي بالنسبة لنا أهم بكثير من الوثائق التاريخية التي كتبت في ذلك الوقت).

هذا الحكم يحمل دلالة لها أهميتها ومغزاها الكبير بالنسبة لسيدة المقام لواسيني الأعرج.


المواضيع الأكثر قراءة