التربية في القرن العشرين.. تأثير العالميه الأولى الذي أدى الى تدهور في الأوضاع الأمنية الخارجية والداخلية لكل مجتمع



التربية في القرن العشرين:

تميز القرن العشرين بالتطور والتقدم في جميع المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية وغيرها.
ومن أهم العوامل التي صاغت على الفكر التربوي الحديث في هذا العصر الخلفية التاريخية والأجتماعية:
ومن أهم العوامل المؤثرة في حياة الإنسان آنذاك هي الحروب وخاصة الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى تدهور في الأوضاع الأمنية الخارجية والداخلية لكل مجتمع.

خصائص التربية في القرن العشرين:

وقد تميزت التربية في هذه المرحلة باستقرار النظريات التربوية على أفكار واضحة تجمع بين الفلسفة والبيداغوجيا وذلك للجهود الجبارة التي بذلها الفلاسفة والمفكرون في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فشكلت في القرن التاسع عشر النزعة العلمية كامتداد للحركة الواقعية و النزعة النفسية كامتداد للحركة الطبيعية.

كما تشكلت في القرن العشرين النظريات التربوية الحديثة وعلى رأسها النظريات البرجماتية التي نقلت الريادة التربوية من أوربا إلى أمريكا، وهي النظرية التي يمكن اعتبارها التتويج النهائي في القرن العشرين لكل الجهود التي سبقتها على طريق إعطاء معنى أوضح لسيطرة الفلسفة المادية في تفسير حياة الإنسان، وهيمنة المنهج العلمي، ليس فقط على العلوم ذات الصلة الإنسانية التي ظلت لوقت طويل بعيدة عن هذا المنهج، وسنتناول تطور التربية في هذا العصر على النحو التالي

أهم النظريات التربوية:

1- النزعة النفسية في التربية:

لقد كان لأفكار كانت الأثر الأكبر في ظهور هذه الحركة، التي تعتبر امتدادا للمذهب الطبيعي الذي نادى به روسو، ورغم التشابه الكبير بين الحركتين في المبادئ و الخصائص، فان الحركة النفسية اختلفت عن المذهب الطبيعي خاصة في بعض الأفكار التي نادى بها روسو في كتابه اميل.
من ذلك تأكيدها على أهمية الكتاب إلى جانب الخبرة التجربة، وعلى أهمية بذل الجهد إلى جانب الميل و الاهتمام، وعلى الوسائل الايجابية من أجل تحقيق الأهداف التربوية.

ومن أفكارها المحورية في مجال التربية و التعليم، إيمان أنصارها بأن التربية ليست عملية اصطناعية يتكلف فيها الفرد بأداء سلوك يرغب فيه الكبار، وإنما هي عملية نمو طبيعية، تنبع من داخل الفرد هدفها إظهار الاستعدادات و القدرات الكامنة فيه، وهنا تتفق هذه الحركة مع أفكار روسو مع التأكيد على استعمال الوسائل الايجابية عوض الاكتفاء بالتربية السلبية كما ألح على ذلك روسو ومن أبرز أنصار هذه النزعة نجد بستالوزي و هربارت و فروبل الذين سنتناول أفكارهم في المطلب المخصص لأعلام التربية.

2- النزعة العلمية في التربية:

لقد وجدت هذه النزعة في أفكار روسو سندا قويا، وذلك لما احتوته من توجه علمي في دراسة شخصية الطفل، و تأكيده على أهمية دراسة الطبية المادية و الإنسانية وعلى استعمال الملاحظة المباشرة لظواهر الطبيعية في عملية إكساب الخبرة للأطفال.
كما تأثرت هذه النزعة بنظرية التطور العضوي أو البيولوجي التي كان من بين المنادين بها الفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831)، الذي فسر الإنسان و الكون على أنهما مظهران للتطور العضوي، وبلغت هذه النظرية قمتها عند تشارلز داروين (1809- 1882) في كتابه أصل الأنواع الذي نشر سنة 1859، عندما عبر عن التطور بمبدئه القائل بالانتقاء الطبيعي كما تأثرت هذه النزعة بالحركة النفسية السالفة الذكر.

ومن أهم مميزات هذه الحركة نجد, إيمانها بأهمية العلوم الحديثة في تحقيق سعادة الفرد، ودعوتها إلى مكانة أكبر للعلوم الطبيعية والبيولوجية في المناهج التعليمية لمختلف المستويات ، وتأكيدها على المنهج التجريبي والملاحظة العلمية و الطريقة الاستقرائية والاستفادة من كل ذلك في عملية التدريس كما ركزت على محتوى المادة الدراسية وأعطته الأولوية على الجانب الشكلي وطرق التدريس.
ومن أهم أبرز أنصار هذه الحركة نجد جورج كومب (1788-1858) و ماثيو أرنولد (1822-1888) و توماس هنري هاكسلي (1825-1895)، وأشهر ممثليها هربارت سبنسر الذي سنتناول أفكاره في المطلب المخصص لأعلام التربية.

3- النزعة الاجتماعية في التربية:

كما أثر روسو في الحركتين النفسية والعلمية كان تأثيره واضحا كذلك على الحركة الاجتماعية في التربية وذلك لما تضمنه كتابه إميل من أبعاد تربوية و اجتماعية بحيث دعا لأن تكون التربية عاملا رئيسيا في تخريج أفراد كرماء ومتعاطفين مع بني وطنهم و جنسهم تحقيقا للرفاهية التي ينشدها الإنسان كما تأثرت هذه الحركة بالنزعتين النفسية و العلمية السالفتين الذكر، بحيث أكدت على الجانب النفسي والعلمي، إلا أن تأكيدها على الجانب الاجتماعي هو السمة الأبرز في أفكار روادها و مما يدل على اهتمامها بالجانب الاجتماعي في المجال التعليمي هو اهتمامها الكبير بالعلوم الاجتماعية و ربطها لأهمية العلوم الطبيعية بالخدمة والرفاهية التي تحققها للمجتمع.

و قد اعتبرت التربية عملية نمو الفرد و المجتمع في نفس الوقت، وهي تهدف إلى تهذيب الأخلاق وتشكيل شخصية الأفراد حسب القيم السائدة في المجتمع .وفي المنهج الدراسي تعلي من شأن العلوم الاجتماعية كالتاريخ و الجغرافيا و التربية الوطنية وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد، و كل المواد ذات الصلة بتاريخ المجتمع و حضارته و تراثه.
وفيما يخص طرق التدريس فقد رأوا بضرورة تعويد التلاميذ على النشاط الجماعي واستخدام الطرق الجماعية من أجل تنمية الروح الاجتماعية و هذا دون إهمال للفروق الفردية، و بهذه تصبح للمعارف المتحصل عليها وظيفة اجتماعية و قيمة نفعية.

وكان من نتائج ظهور هذه الحركة حل مشكلة التوفيق بين مصالح الفرد و الجماعة، وإعادة الاعتبار للدور الاجتماعي للتربية، ومن أبرز رواد هذه الحركة نجد جيمس كارتر (1795-1849) و هنري برنارد (1811-1900) وهوراس مان (1796-1859) و قد مهدت هذه الحركة إلى ظهور النظريات التروية في القرن العشرين و أبرز هذه النظريات هي النظرية البرجماتية في التربية التي نشأت وتطورت في الولايات المتحدة الأمريكية.

4- النظرية البرجماتية في التربية:

تشكل النظرية البرجماتية مرحلة متقدمة في تطور الفكر التربوي في المجتمعات الغربية، إذ وجدت في أفكار اليونان و بصفة خاصة هيرقليطس صاحب فكرة لا وجود لقيم ثابتة و كل شيء في تغير مستمر و السفسطائيين و قاعدتهم الشهيرة الإنسان مقياس الأشياء جميعها، منطلقا فلسفيا لمبادئها و ممارستها، كما أنها ذهبت بالمفهوم المادي النفعي للإنسان و محيطه إلى أبعد الحدود متأثرة في ذلك تأثرا واضحا بالمذهب الطبيعي.

لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية، متأثرة كل التأثر بما يحدث في الجهة الأخرى من المحيط، و لكن بحكم كونها مجتمعا جديدا فان تهيؤها كان أكبر لتبني أفكارا أكثر تحررية، ولا عجب حينئذ أن يكون رواد هذه النظرية في العصر الحديث جلبهم من أمريكا خاصة جون ديوي ووليام جيمس و تشارلز بيرس.

و كلمة برجماتية في أصلها كلمة يونانية هي برجما Pragma ومعناها العمل، وأول من استخدمها في العصر الحديث هو تشارلز بيرس (1839-1914) وذلك في مقال له بعنوان كيف نعبر بوضوح عن آرائنا حيث ربط التفكير بالعمل و اعتبر التفكير لا معنى له ما دام لم يقرر السلوك الذي ينتج عنه.

وأخذت البرجماتية بعد ذلك دلالات أكثر وضوحا سواء من الناحية الفلسفية أو التربوية عند كل من وليام جيمس وجون ديوي.
حيث يرى جيمس أن البرجماتية في جوهرها فلسفة إنسانية بحيث يكون الإنسان فيها هو واضع مثله في ميادين نشاطه، أما جون ديوي فانه يرى بأن الفلسفة لا بد أن تسمي المشاكل التي تبحث فيها و الا فانه لا معنى لها اذ لم تكن تعالج المشاكل الحقيقية التي يواجهها الإنسان.

و بهذا فان الفلسفة عند البرجماتيين لا تعتبر وسيلة للتأمل و التفكير في كنه المادة أو المسائل الميتافيزيقية وإنما تتصل مباشرة بالمشاكل التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية.
أما من الناحية التربوية فإننا نجد ديوي يعتبر المدرسة من نتائج المجتمع، ومن هنا كان من الضروري أن تكون وظيفتها الرئيسية تقديم خبرات عملية وواقعية للطفل بحيث تكون هذه الخبرات وثيقة الصلة باحتياجات ومشاكل الحياة الاجتماعية. وبهذا فان المدرسة لا تشكل جزءا من الحياة الاجتماعية، و من هنا اعتبر التربية هي الحياة نفسها و ليست إعدادا للحياة.