مرحلة التفكير المجرد (المراهقة) في التربية الحديثة.. فترة النمو الجسدي وظاهرة اجتماعية ومرحلة زمنية وفترة تحولات نفسية عميقة



لقد تأخرت الدراسات التي تناولت المراهقة في علم النفس وسبقتها في ذلك دراسات الطفولة، ولكن اليوم تعرف المراهقة اهتماما كبيرا، وذلك لانها الفترة الأطوال التي تفصل الطفولة عن الرشد، ونستطيع القول بعدم وجود مراهقة حقيقة في كل المجتمعات حيث توجد في مجتمع وتختفي في آخر، فالمجتمعات البدائية لا توجد فيها المراهقة بمعناها الحالي، ذلك لان المرور من المراهقة إلي البلوغ والرشد يتم من خلال طقوس والأعمال التي يبدأ المراهق بممارستها ويقلد بها الراشدين، ثم يتم اندماجه في مجتمع الكبار فيشارك الكبار في كل نشاطاتهم.
ولكن اليوم يتأخر دخول المراهقين إلي ميدان العمل فتصل فترة مهمة بين النضج وبين الانخراط في الحياة وهذا ما يشكل أزمة المراهقة بحسب قول (اقنزيني Avanzini) ذالك إن فترة الدراسة طالت، بسبب التعليم الإلزامي في بعض الأحيان، وفي أحيان أخري أن الدخول إلى ميدان العمل يتطلب إعداداً طويلا بالإضافة إلى إن الآباء يعمرون طويلا مما يمكنهم من القيام بواجباتهم المادية اتجاه أبنائهم، بالإضافة إلى عدم حاجة سوق العمل إلى أيدي عاملة.
كما فسر عالم النفس (ستانلي هول،1904) المراهقة على أساس أنها مرحلة انتقالية من المراهقة إلى الرشد يحمل معه ما يشبه الأزمة ،ومن بعده درسها عدد كبير من علماء النفس مسميا إياها (مرحلة العاصفة) ولكن علماء النفس المعاصرين بتأثير من الدراسات الحضارية لم يعد لديهم إيمان بهذا القول.
كما تناولت دراسة (مرجريت ميد) عن أزمة المراهقة عند الفتيات في إحدى القبائل البدائية (لاحظ بان المراهقة لم تكن أزمة وانعصاب بل كانت مرحلة ارتقاء منتظما لمجموعة من الاهتمامات وضروب النشاط الآخذة في النضج على مهل ،فلم تكن تقلق أذهان الفتيات الصراعات المتعلقة بالجانب الفلسفي أو العلمي، ولم تكن لديها مطامح سوى أن تتزوج في قريتها وان تنجب أطفالا كثيرين).
ولاشك إذا أن المراهقة ليست بالضرورة أزمة عاصفة، قد تتحول إلى أزمة وشدة إذا أراد لها المجتمع ذلك، فإذا كان المجتمع هادئا في تقبله لمرحلة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة، فان خصائص الأزمة بالإمكان أن تتضاءل إلى حد بعيد.
إن النظريات والدراسات التي تناولت المراهقة  كثيرة ومتنوعة ومختلفة في نظرتها وتفسيرها ،ولا تزال التساؤلات  قائمة حتى الآن: هل توجد بالفعل أزمة للمراهقة؟ وهل هذه الأزمة ترتبط بطبيعة النمو البيولوجي والجنسي، وأم إنها ترتبط بالعوامل الاجتماعية والنفسية؟     
كما لا يوجد في الواقع تعريف موحد للمراهقة يرضى عنه الجميع، فعرفه(كارل روجرز) بأنها فترة النمو الجسدي وظاهرة اجتماعية ومرحلة زمنية وفترة تحولات نفسية عميقة، وهذه الفترة تمتد من سن البلوغ إلى سن العشرين.
فالمراهقة فترة من النمو معروفة بصعوباتها؛ فالطفولة معروفة بخصائصها ومميزاتها ولها وضعيها الخاصة بها،والمراهقة في بدايتها كأنها ترمي عالم الطفولة،ولكن المراهق لم يدخل بعد عالم الراشدين،فهو في موقف محرج كمن يقف بين بابين ،وهو ينتظر ليعرف من هو، ماذا سيفعل،من يحبه ،ولكي يهرب من هذا الانتظار ،فانه يلجأ إلى عالم الأحلام،أو عالم الأفكار حيث يمكنه أن يجد لنفسه مكانا.