التحديات التي تواجه اللغة العربية.. ثورات المعلوماتية والعقم اللغوي-الفكري وهيمنة نموذج العولمة المادي والسلوكي والرمزي

إن اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة، ولكنها لم تصل بعد، إلى موقع الخطر بل ما زال اسمها يتأرجح في أي تصنيف للغات العالمية حسب عوامل قوتها بين: الرتبة الثالثة، والثامنة، والحادية عشرة والثانية والعشرين، والثانية والأربعين، في مجموعة اللغات التي تحظى بصفة الرسمية وعددها 83 لغة.

وما زالت تتمتع بمستوى من المناعة، لا يحجب أعراضا من الوهن سببها الأساسي هو إهمال أصحابها لها، فهي رغم النواقص المذكورة ما زالت في طليعة اللغات العالمية القوية، وإن كانت لا تقارن بالإنجليزية، ولا حتى بالفرنسية.

وحوافز نهوضها متعددة، فالمجتمع العربي تمسك بها، منذ 14 قرنا، وله معها تاريخ طويل في الصمود والمقاومة، ضد كل الحملات القادمة من الشرق والغرب لاجتتثاثها، وما زالت لها دعامة قوية من القرآن الكريم الذي رغم أن حوالي نسبة كبيرة من المسلمين تقرؤه مترجما إلى لغاتها المتعددة، فإنها تظل مشدودة إلى نصه الأصلي في لغة تنزيله، ومعنى ذلك أن أكثر دين معتنقين في العالم (أكثر من مليار نسمة)، يشد عضد هذه اللغة.

ومن المستبعد أن تتمكن العولمة من القضاء عليه، وبالتالي من القضاء على اللغة المرتبطة به، رغم أن التحولات التي تصاحب ثورات المعلوماتية لم تعرف البشرية لها مثيلا في السابق.

ولكن من الأرجح أنه بشيء من الإرادة والتناغم بين القول والفعل، يمكن التغلب على النواقص، بعد أن يتضح للمعنيين بمستقبل الأمة أن النهوض المعتمد على لغة الغير، غير ممكن، وأن اللغة إحدى المواد الثلاث التي اتفق المختصون في هذا العصر على أنها الأركان التي تقوم عليها نهضة الأمم في العالم الحديث (اللغة، الرياضيات، العلوم)، وأن اللغة من بينها هي الركن المرتبط بالنسيج الاجتماعي، الذي لا يمكن غرسه في غير منبته، وأنها الوسيلة الأولى للخلق والإبداع.

فإذا كانت الأمة عاجزة لغويا، فهي عقيمة فكريا، والعلاقة متعدية، فالعقم الفكري هو الذي أدى إلى العجز اللغوي.

وعليه فإذا أرادت الأمة النهوض، فلابد أن تستنفر كافة القوى لمواجهة هذا العقم اللغوي-الفكري الذي لا تخفى أعراضه في أي من مناحي الحياة عند أبناء لغة الضاد، لاكتشاف العلاج، ما دام البديل عنها معدوما، وما دام أهلها متشبثين بخصوصيتهم الدينية والقومية.

وصحيح أن المهمة عسيرة في هذا الزمن الذي تطلب العولمة فيه من الأمم المتقدمة تكنولوجيا، أن تتخلى صاغرة عن جلدها وتتقمص نموذج العولمة المادي والسلوكي والرمزي، على نحو ما صاغه عالَم المال والأعمال في أمريكا الشمالية، خلال القرنين الماضيين.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال