إن أمر النساء وفتنتهن وتأثر الرجال بهن وتعلقهم بهن والإعجاب بالجميلات منهن وطلبهم التزوج بهن وهي سنة الله في الكون أخذ شطرا كبيرا من سورة الأحزاب وجل ذلك مع أسوة الخلق وخيرهم محمد ص وماذلك إلا للتنبيه على عظم هذا الأمر ودوره الكبير في الحياة، ولانريد أن نطيل في الحديث عن ذلك ولكن لابأس من ذكر نقاط سريعة.
وكان النبي (ص) كلما أتاه زيد يريد طلاقها يأمره بإمساكها وهو يحب طلاقها ويخشى مقالة الناس: تزوج امرأة ابنه, فقال الله له: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) فكانت عائشة وأنس والحسن وغيرهم يقولون: لو كان رسول الله ص كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية.
قال ابن القيم: ولاريب أن النبي ص كان قد حبب إليه النساء كما في الصحيح عن أنس عنه ص: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة، قال: زاد الإمام أحمد في كتاب الزهد في هذا الحديث: أصبر عن الطعام والشراب ولا أصبر عنهن, وقد حسده أعداء الله اليهود على ذلك فقالوا: ما همه إلا النكاح, فرد الله سبحانه عن رسول الله (ص) ونافح عنه فقال: (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).
وقال ابن القيم: نكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواء شرعا وقد تداوى به داود ص ولم يرتكب نبي الله محرما وإنما تزوج المرأة وضمها إلى نسائه لمحبته لها، وكانت توبته بحسب منزلته عند الله وعلو مرتبته ولا يليق بنا المزيد على هذا. ([1])
يعني بذلك ماورد في تفسير قوله سبحانه: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب..) وملخصها أن داود عليه السلام من شدة عبادته وقع في نفسه أنه قادر على مجابهة الفتنة فأخبره الله بأنه سوف يختبره ووقت له ذلك، وفي ذلك اليوم دخل محرابه وأمسك بالزبور ومنع من الدخول عليه، فإذا به بطائر من الذهب فأذهله ومد يده ليمسك به فطار إلى كوة فدنا منه ليأخذه فوقع بصره على امرأة تغتسل فأعجبته ولما رأته تجللت بشعرها فازداد إعجابه بها.
واختلف أهل التفسير فمنهم من قال: فطلب من زوجها أن ينزل له عنها، وهذا مروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وابن زيد، وقال آخرون: وكان زوجها في غزاة فأمر به أن يكون من حملة التابوت فإما يفتح عليهم وإما استشهدوا، فاستشهد.
وهذا مروي عن ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم وروي مرفوعا إلى رسول الله ص بسند ضعيف.
المهم أن داود عليه السلام تزوجها وضمها إلى نسائه البالغات تسعا وتسعين امرأة، فأرسـل الله له هؤلاء الخصم وقال له أحـدهـم: (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيهـا وعزني في الخـطـاب) فحكم عليه السلام بأن ذلك ظلم وفطن لما أراده الله عز وجل فاستغفر ربه من ذلك وخر راكعا وأناب.
ولتوجيه القصة محل آخر غير هذا. ([2) والذي يعنينا هو بيان مدى فتنة النساء وخطورة النظر إليهن وفعلهن في خيرة الخلق وأعبدهم.
(1) الداء والدواء لابن القيم ص358 .359.
(2) كثير من الكتاب درج على عد هذه القصة من الإسرائيليات وردها جملة وتفصيلا وغفل عن تفسير السلف لها وهم أعلم بالله وأنبيائهلا وأتقى وأروع منهم، فليتأمل هذا.
التسميات
فتنة المرأة للرجل