التأمين والخطأ العمدي.. بين بطلان عقد التأمين وسقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه

يجب التفرقة، في شأن الخطأ العمدى، بين الحالة التي يترتب بطلان عقد التأمين وبين التي يترتب عليها سقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، وذلك على النحو التالي:

الأولى: الخطأ العمدى الذى يبطل عقد التأمين أو أحد شروطه: كأن يطلب شخص من المؤمن التأمين من أخطائه العمدية. وهذه الأخطاء –غالباً – تشكل جرائم لمخالفتها لأحكام القانون الجنائي.فإذا كان الخطأ العمدى يمثل جناية أو جنحة وكان التأمين عليه جاء في صورة شرط في العقد (وثيقة التأمين) فإن هذا الشرط يبطل [المادة (750/1) مدنى ([1])].

وتبقى باقي شروط التأمين منتجة لآثارها الأخرى، متى كان العقد قابلاً للتجزئة.أما إذا كان غير قابل لذلك فإن العقد يقع باطلاً جملة وتفصيلاً [المادة (143) مدنى ([2])].

ويبطل – كذلك – إذا كان ضمان مثل هذه الأخطاء يمثل المحـل، باعتباره ركناً في العقد، لمخالفة النظام العـام ([3]).

أما إذا كان الخطأ العمدى يشكل مخالفة فإنه يجوز التأمين منه. وإذا ورد فى وثيقة التأمين شرط يقضى بسقوط الحق لمجرد مخالفـة القوانين واللوائح. فإن التأمين يظل   صحيحاً ويبطل هذا الشرط بحكم القانون [المادة (750/1) مدنى] ([4]).

ويجوز التأمين – كذلك – من الخطأ العمد الذى يقع من الغير –أياً كان درجته ومداه - حتى لو كان تابعاً للمؤمن له [المادة (769) مدنى ([5])].

لأن علاقة التبعية لا تجعل من خطأ التابع بمثابة خطأً للمتبوع المؤمن له نفسه، فلكل منهما إرادته المستقلة، إلا إذا كان ارتكاب التابع للخطأ العمد كان بتحريض من المؤمن له ذاته.
 
الثانية: الخطأ العمدى الذى يسقط الحق في مبلغ التأمين : كأن يؤمن شخص ضد أحد الأخطار التي يجوز التأمين عليها.

إلا أنه ارتكب خطأً عمدياً أدى إلى تحقق الخطر المؤمن منه. كالتأمين ضد حريق منزله ويضرم النار فيه أو يؤمن على حياته أو حياة شخص آخر ثم ينتحر أو يقتل هذا الشخص.

ففي هاتين الحالتين وأمثالها يسقط حق المؤمن له في مبلغ التأمين وتبرأ منه ذمة المؤمن. إلا أنه لا يؤد إلى بطلان عقد التأمين، إذ يظل على عاتق المؤمن تبعة الخطر المؤمن منه.

غير أنه يجب ملاحظة أنه إذا كان الخطأ العمدى قد وقع من طالب التأمين أو من المؤمن له وكان المستفيد من التأمين شخص آخر من الغير. فإن مثل هذا الخطأ لا أثر له على حق المستفيد (الغير) في مبلغ التأمين ولا تبرأ ذمة المؤمن إلا بالوفاء به إليه.

وهذا يستفاد ضمنياً من الأحكام الواردة في [المادتين (756-757) مدنى].
فمثلاً في التأمين الإجباري من حوادث السيارات يظل للمضرور حق مباشر في مواجهة المؤمن تحميه دعوى مباشرة في المطالبة بالتعويض حتى لو كان المؤمن له قد تعمد إحداث هذا الضرر.

كما يجوز أن يتقاضى المؤمن له مبلغ التأمين من المؤمن بالرغم من ارتكابه خطأً عمدياً متى كان ارتكابه لذلك أداءً لواجب أو حمايةً لمصلحة العامة، كأن يعرض حياته المؤمن عليه للموت إنقاذاً لغيره من خطر داهم كغرق أو حريق...الخ أو قيامه بإتلاف بعض المنقولات المؤمن عليها لمنع امتداد الحريق إلى غيرها، كمن يجاهد بنفسه دفاعاً عن وطنه.

   ولا جناح أنه إذا نحينا الخطأ العمد بصفاته –آنفة البيان – فإن أي خطأ آخر أياً كان نوعه وأياً كانت درجته، فإنه يجوز أن يكون محلاً للتأمين وهذا ما قررته [المادة (768) مدنى ([6])].

([1]) تنص الفقرة الأولى للمادة (750) مدنى على أنه "يقع باطلاً ما يرد فى وثيقة التأمين من الشروط الآتية: 1- الشرط الذى يقضى بسقوط الحق فى التأمين بسبب مخالفة القوانين واللوائح، إلا إذا انطوت هذه المخالفة على جناية أو جنحة عمدية".

([2]) تنص المادة (143) مدنى على أنه "إذا كان العقد في شق منه باطلاً أو قابلاً للإبطال فهذا الشق وحده هو الذى يبطل، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذى وقع باطلاً أو قابلاً للإبطال فيبطل العقد كله".
([3]) أنظر قرب هذا المعنى د/ حسام الدين كامل الأهواني، مرجع (5)، ص 51.

([4]) قضت محكمة تمييز دبى في الطعن رقم 108 لسنة 1990 حقوق – جلسة 20 فبراير 1990 – مجلة التشريع والقضاء، العدد الأول يناير 1992، ص 177 (أشار له د/ مصطفى محمد الجمال، مرجع (36) هامش (1) ص 40) بأنه " من المقرر بنص البند (أ) من المادة (1028) من قانون المعاملات المدنية رقم 5 لسنة 1985 – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه يقع باطلاً الشرط الذى يرد في وثيقة التأمين ويقضى بسقوط الحق في التأمين بسبب مخالفة القوانين إلا إذا انطوت المخالفة على جناية أو جنحة عمدية، وإذا كان الشرط الذى تتمسك به شركة التأمين الطاعنة يتعلق بقيادة المطعون ضده الثاني السيارة محل التأمين بسرعة زائدة دون استعمال يديه أو الفرامل وهي أفعال لا تعد جناية أو جنحة عمدية طالما أن الثابت من الأوراق أن السائق لم يقصد تحقيق الخطر المؤمن منه ويتعمد قتل المضرور مما يترتب عليه أن شرط استثنائها من التأمين يعتبر باطلاً لا أثر له قبل المؤمن له أو المستفيد من التأمين...".  
([5]) تنص المادة (769) مدنى على أنه "يسأل المؤمن عن الأضرار التي سبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسئولاً عنهم، مهما يكن نوع خطئهم ومداه".
                                                                
وتنص المادة (1040) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أنه "يكون المؤمن مسؤولاً عن أضرار الحريق الذى تسبب فيه تابعوا المؤمن له أياً كان نوع خطئهم".

وتنص الفقرة الأولى للمادة (924) مدنى أردنى على أنه "1- الشرط الذى يقضى بسقوط الحق فى التأمين بسبب مخالفة القوانين إلا إذا انطوت المخالفة على جناية أو جنحة قصدية".

([6]) تنص المادة (768) مدنى على أنه "1- يكون المؤمن مسئولاً عن الأضرار الناشئة عن خطأ المؤمن له غير المتعمد. وكذلك يكون مسئولاً عن الأضرار الناجمة من حادث مفاجئ أو قوة قاهرة. 2- أما الخسائر والأضرار التى يحدثها المؤمن له عمداً أو غشاً، فلا يكون المؤمن مسئولاً عنها ولو اتفق على غير ذلك".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال