مثال حي لامرأة صالحة.. من عشرين عامـا لم أر مايغضبني من أهلي

روى أن شريحا القاضي قابل الإمام الشعبي - رحمه الله - يوما فسأله الشعبي عن حاله في بيته، فقال شريح: من عشرين عامـا لم أر ما يغضبني من أهلي، قال الشعبي: وكيف ذلك؟

قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنا فاتنا وجمالا نادرا، فقلت في نفسي فلأطهر، وأصلي ركعتين شكرا لله، فقلت: أيتها المرأة إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم الزوج فيصلي وتصلي خلفه ويسألان الله تعالى خير ليلتهما ويتعوذان الله من شرها ثم تقدمت إلى الصلاة فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي وتسلم بسلامي، فصليت ثم انقلبت فإذا هي على فراشها فأخذت بناصيتها فدعوت وبركت ثم قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية، كما أنت، ثم قالت الحمد لله، أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأصلي على محمد وآله وصحبه.

أما بعد فإني امرأة غريبة لاعلم لي بأخلاقك، فبين لي ماتحب فآتيه، وماتكره فأتركه، إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت فاصنع ماأمرك الله به إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.

قال شريح: فأحوجتني والله ياشعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكـن حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، وإنك قدمت على أهل دار زوجك خير رجالهم وأنت إن شاء الله خير نسائهم، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، ومارأيت من حسنة فانشريها، ومارأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قال: إني رجل قاض ماأحب أن يملني أصهاري، فقالت فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره : قلت بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قم سوء.

قال شريح فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولا، لاأرى إلا ماأحب، فلما جئت من مجلس القضاء يوما، فإذا بفلان في البيت -أم زوجتي - فسألتني: كيف أنت ياأبا أمية، فقلت: ومن أنت؟ فقالت: ختنك؟ فقلت: حياك الله بالسلام إني بخير عافاك الله، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت خير زوجة، قالت: إن المرأة لاتكون في حال أسوأ خلقا منها في حالتين: إذا حظيت عند زوجها وإذا ولدت غلاما، فإن رأيت منها شيئا فالسوط فوالله ماحاز الرجال في بيوتهم شرا من المرأة الورهاء المدللة، فأدب ماشئت أن تؤدب، وهذب ماشئت أن تهذب، قلت: أشهد أنها ابنتك قد كفتني الرياضة وأحسنت السياسة والأدب، قال شريح: فمكثت معي عشرين سنة، لم أعقب عليها في شـيء إلا مرة وكنت لها ظـالما.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال