الأيديولوجيا العالية.. الوضع الثوري ينشأ عندما تكون علاقات الإنتاج عاملاً يَحدّ من نموّ وسائل الإنتاج أي التكنولوجيا

إن المصانع والمؤسسات، والأشخاص المعنيين أكثر من كل الآخرين، بقدوم اقتصاد الموجة الثالثة، لم يُنضجوا بعد عقيدة منسجمة يقفون بها ضد المادية- الآلية؛ غير أن بعض الأفكار الأساسية بدأت تتجمع، لتكوين مثل هذه العقيدة.

وتبدو أولى المواد الجزئية، للاقتصاد الجديد، في أعمال مجهولة لمؤلفين مثل أوجين لوبيل Eugen Loebl الذي مات حديثاً، والذي قضى إحد عشر عاماً في السجن، في تشيكوسلوفاكبا.

وكان أثناءها يعيد التفكير في الموضوعات الأساسية للاقتصاد الماركسي، وكذلك في موضوعات((1) الاقتصاد الغربي) ومثل Henry K. Hwoo من هونغ كونغ، الذي حَلّل "الأبعاد اللا ملحوظة للثروة: ومثل Genevois orio Giarini، الذي يطبق مفاهيم المغامرة واللا تعيين على تحليل مستقبل نشاط الخدمات sevices ومثل الامريكي  WALTER  WEISSKOPF الذي يبحث في دور شروط اللا توازن في نمو الاقتصاد.

أما الباحثون العلميون اليوم، فإنهم يتساءلون: كيف أن الأنظمة تتكيف في حالة الاضطراب، وكيف أن نظاماً ما، ينتهي بأن يتحرر من الأوضاع الفوضوية، وكيف أن نظماً في حالة التطور، تقفز إلى درجات عالية من النمو؟ وحقاً فإن كلّ هذه المسائل ذات أهمية كبيرة في فهم النشاط الاقتصادي. وهناك كتب في علم الإدارة تؤكد أنه يمكن "النجاح بفضل الفوضى".

وهناك علماء اقتصاد يعيدون اكتشاف أعمال جوزيف شومبيتر Joseph Schumpeter الذي كان يرى أن"التهدم الخلاق" ضروري للتقدم. فمن(خلال) عاصفة لعروض الشراء (OPA(2 وإعادة بيع، وإعادة تنظيم، وإفلاسات ومشاركه في الرأسمال الخطر أو المخاطرة به  capital - risque.. يعود الاقتصاد فيدخل في طريقه إلى إعادة بنيته التي تفوز بسنوات ضوئية في التقدم  على الاقتصاد المصنعي القديم، بفضل تنوعه، وسرعة تطوره، وتعقده.

وتقتضي "القفزة" التي تلقي بنا  إلى درجة عالية من، السرعة والتنوع والتعقيد، أن تتم قفزة أخرى، باتجاه أشكال من الاندماج، أكثر ارتقاءاً، وأعظم تأنقاً. ولا يميل هذا التحول، بدوره، إلى الاكتمال، إلا برفع معالجة الإعلام إلى مستويات عليا.

وكانت ثقافة العهد الصناعي المستلهمة من أعمال ديكارت العائدة إلى القرن السابع عشر، تفضل أولئك الذين يظهرون قدرة أكبر على رد المشكلات والسيرورات، إلى أصغر عناصرها.

وعندما طبقت هذه الطريقة القائمة على الفصل المتتابع، والتحليل المكتمل Exhaustve، للإقتصاد على فهم الإنتاج، على صورة تتابع لمراحل معزولة.

ان نموذج الإنتاج الجديد الذي يثيره الاقتصاد العالي الرمزية، الموجود حالياً يعارض سلفه معارضة مشهودة، أي يعارض النموذج السابق. ولما كان الجديد، يقوم على منظور منهجي، أو دمجي، فإنه يتصور الإنتاج، كسيرورة متزايدة التركيب والتواقت، حيث نجد المجموع البسيط للأجزاء لا يؤلف الكل، وحيث ما من واحدٍ منها يستطيع بصورة مطلقة أن يظل بلا علاقات مع الأجزاء الأخرى.

والواقع هو أننا في الطريق إلى اكتشاف أن الإنتاج لا يبدأ ولا ينتهي، داخل المصنع. وهكذا فإن أحدث نماذج الإنتاج التي أنشئت من وجهة النظر الاقتصادية. تمدد دراسة السيرورة إلى ما فوقها، وما تحتها، وإلى ما تحتها خاصة، أي باتجاه المستقبل، على صورة خدمات بعد البيع، أو دعم للمنتج الذي تمّ بيعه، على نحو ما يُرى في حالة ضمان إصلاح السيارات أو العون الموعود للمشتري من قبل بائع الحواسيب، ولن يمضي إلا وقت قصير حتى يمتد مفهوم الإنتاج إلى أبعد من هذا أيضاً، فيشمل الفترة اللاحقة لاستهلاك المنتج أي حتى قبره، في شروط بيئية مقبولة. وعندئذٍ تكون المصانع مرغمة على وضع خطة مناسبة للقبر أو الدفن.

وهذا ما يرغمها على إعادة النظر في خصائص مشاريعها، وحساباتها للكلفة، وصور إنتاجها. وأشياء أخرى أيضاً. فإذا هي أنجزت ذلك، فإنها تقدم مزيداً من الخدمات بالنسبة أو بالإضافة إلى وظيفة الإنتاج. وفي هذه اللحظة، سينظر إلى "الإنتاج" كما لو أنه جملة هذه الوظائف معاً.

ويمكن أن يرقى التفكير، إلى ما هو أعلى من ذلك، لكي يشمل تنشئة المواطنين أو العاملين، والبيئة المجاورة، وخدمات أخرى. وإذا وصلنا إلى الحدّ الأخير، وجدنا وسائل لتحويل العامل"اليدوي" المستاء من سوء حظه، إلى"شخصية منتجة".

وعندما  تكون النشاطات(الفعاليات) عالية الرمزية، فإن العمال السعداء يرفعون مستوى إنتاجهم. وينشأ عن ذلك، أن عوامل الإنتاجية تعود إلى ما قبل البداية الرسمية ليوم العمل.

وبطبيعة الحال فإن الأوفياء للأيام القديمة السعيدة، ينظرون إلى إعادة التعريف الموسّعة هذه، للإنتاج، كما لو أنها غامضة تماماً وغير معقولة، بأية حال. أما بالنسبة للجيل الجديد من قادة الاقتصاد العالي الرمزية، المنشئين والمعوّدين على التفكير في صيغة نظامية، أكثر من تعوّدهم وظائف معزولة، فإن هذا المفهوم ينشأ مباشرة عن الينبوع.

والخلاصة، أن مفهوم الإنتاج، يعاد تكوينه حالياً، في إطار أكثر اتساعاً، وهو يشتمل على جوانبَ، ما كان لجيل الاقتصاديين ومؤدلجي التفكير"البدائي" أن يدخلوها في حساباتهم. ومنذ الآن، فإن ما يجسّد القيمة وينشئها، في كل لحظة، هو المعرفة، لا اليد العاملة، الرخيصة، والرموز، وليس المادة الأولية.

ولنضف إلى ما سبق، أن إعادة الفحص العميقة لمصادر القيمة المضافة، تؤدي إلى نتائج ضخمة: إنها تقضي على المواضيع المشتركة بين أنصار الليبرالية- المتطرفة، والماركسيين، بقضائها على المادية- الماشيسمية، التي تستلهم أفكارهم منها أولئك وهؤلاء.

وهكذا فإن التصورين المتقابلين اللذين يريدان أن تنشأ القيمة من عمل العامل المضني وحده. أو من عمل الرأسمالي صاحب المشاريع- ينكشفان خاطئين معاً، وخطيرين خادعين على الأرضية السياسية، كما هي الحال في المجال الاقتصادي.

 أما في الاقتصاد الجديد، فإن الآنسة المكلفة بشؤون الاستقبال، شأنها شأن صاحب المصرف الممول، والميكانوغراف(مصور الآلات)، (أو واضع مشاريعها)، ومثل البائعة، كل هؤلاء بالإضافة إلى منشيء المنظومات الإعلامية، والمختص بالاتصالات، يشاركون جميعاً بخلق القيمة المضافة.

والحادث الأكثر دلالة أيضاً، هو أن الزبون نفسه يقوم بمثل هذا هو أيضاً. ذلك أن القيمة تنشأ عن الجهد الجمعي، لا عن مرحلة معزولة في هذا المكان من السيرورة أو ذاك.

ومهما يَعلْ نعيق الغربان، في الحسرة على النتائج المحزنة"لموت" القاعدة الاقتصادية المادية،أو على المحاولات الهادفة إلى السخرية من مفهوم"اقتصاد الإعلام"، فإن الأهمية المتزايدة للعمل العقلي، تستمر في تأكيد وجودها. وسيكون الأمر كذلك فيما يتعلق بتصور خلق الثروة.

وهذا الذي نشهده، هو التقاء للتحولات التي تُلاحظ، في الآن نفسه في الإنتاج، وفي بنية رأس المال، وحتى في طبيعة العملة. ثم إنّ مجموع هذه التغيرات في طريقها إلى إقامة نظام ثوري يخلق الثروة، على مستوى الكرة الأرضية كلها.

وكان ماركس هو نفسه، الذي قدّم التعريف الكلاسيكي للوضع الثوري. إنه ينشأ، تبعاً له، عندما تكون علاقات الإنتاج (أي طبيعة ملكيته ومراقبته أو التحكم فيه) عاملاً يَحدّ من نموّ وسائل الإنتاج (أي التكنولوجيا، بالعربي الفصيح.).

وهذه الصيغة هي التي تجعلنا نفهم أزمة"العالم الاشتراكي". وكما أنّ هذه العلاقات عندما كانت إقطاعية، كانت تعرقل النموّ الصناعي، فإن علاقات النموذج الاشتراكي، قد حالت بين البلاد الاشتراكية وبين الاستفادة من النظام الجديد لخلق الثروة.

(1) الموضوعة: افتراض يقبله الانسان بدون برهان جدِّي ، حاسم، ولو كان له ما يبرره.

(2) الـ OPA هي عروض الشراء العامة لشركة أو أخرى.أي أن  تقوم شركة بشراء شركة أخرى، بسعر ما، تتفق فيه على الشركة البائدة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال