كانت الثورة، في الاقتصادات الصناعية "الأولية" تقاس،عادة، بامتلاك أموال كان إنتاجها يعتبر(أو يُعَدُّ) جوهر الحياة الاقتصادية، وعلى العكس، فإن النشاطات الرمزية، أو نشاطات الخدمات، على الرغم من أنها لا يُستغنى عنها، لسوء الحظ، كانت تجد نفسها"غير منتجة".
فإنتاج خيرات مادية- كالسيارات، والتراكتورات والتلفزيونات- كان يبدو كشيء "يقوم به الرجال أو لما هو أكثر من الرجال؛ وكانوا يشركون هذا بصفات أخرى مثل"العملي" و"الواقعي" أو"الإيجابي". وبالعكس فإن إنتاج المعرفة، بتبادل المعلومات، كان بالجملة" يرهق بأسوأ الأوصاف، ويُعَد"مجرد ورقيات".
وكانت هذه المواقف تؤدي إلى فيضان من النتائج المترتبة عليها، مثال ذلك، القول: "إن الإنتاج يقوم على الجمع والتأليف بين موارد مالية، ومكنات، وقوة عمل يدوية. فالأولى الأكثر أهميةً في مصنع ما، تكون مواد ملموسة أو أملاكاً محسوسة".
ذلك أن الثروة القومية تنشأ من فائض الميزان التجاري. أما تبادل الخدمات فليس لها من الأهمية، إلا بقدر ما تيسّر تجارة البضائع؛ أما "التنشئة" (أي تكوين العامل، وما يثقف به، وما يعرفه أو يحسنه من أعمال أخرى) فإنها لا تُمثَل إلا بتبذير (للمال الحلال) ما لم يكن مهنياً وثيق الصلة بالعمل؛ أما البحث، فكان نوعاً من الهواية اللا واقعية؛ إذ ليس للفن (وفن البحث خاصة) من علاقة بعالم الأعمال. والأسوأ من هذا، أنه ضارٌ. وبالجملة فإن الشيء المهم في كلّ مادة، كان هو المادة.
ومن جهة أخرى، فإن هذا النوع من الأفكار لم يكن وقفاً على رعاة الرأسمالية: بل إننا نجد ما يماثلها، في العالم الشيوعي. ذلك أنّ الرأسماليين الماركسيين شعروا -وهذا أقل ما يمكن أن يقال بحقهم- بصعوبة أكبر في دمج العمل"العالي" في هياكل (1) العمل عندهم.
أما في المجال الفني، فإن الواقعية الاشتراكية، رسمت آلافاً من العمال السعداء، كانوا يبرزون نوعاً من العضلات على طريقة الـ SCHWARZENEGGER فوق بساط من آلات متراكبة، أو مداخن مصنع، أو قاطرة على البخار. والواقع أن تمجيد البروليتاريا- المنظور إليها، نظرياً، كما لو أنها طليعة التقدم، كان يعكس موضوعات اقتصاد"بدائي".
وكانت النتيجة الكلية أكثر بكثير من تجميع لا شكل له من الآراء، والموضوعات والمواقف المعزولة.
وكان الأمر أمرَ إيديولوجية قادرة على تبرير نفسها، وتعزيز قوتها، بالاعتماد على عزمها الخاص- وهي إيديولوجيا تقوم على ماتريالو- ما شيسم materialo- machisme (نظرية مادية- ماكينية) وهذه تؤلف في الواقع إيديولوجية الصناعة الكثيفة الإنتاج، صناعة الموجة الثانية.
وحدث يوماً ما أن الماتيريالو- ماشيسم(مادية المكنات) كانت تعني شيئاً ما.
أما اليوم، أي في الحين الذي نجد فيه أن أكثرية المنتجات، تدين بقيمتها الحقيقية إلى المعرفة التي تتجسد فيها، فإن من الحمق والرجعية أن نأخذ بها.
وكل بلد يختار الاعتماد على سياسة قائمة على هذه الإيديولوجيا، تحكم على نفسها بنفسها، في أن تكون بنغلاديش القرن الواحد والعشرين.
(1) -لشيما CHEMAS المخطط الفكري الأساسي لنظرية أو لنقل هيكلها.
التسميات
موجة ثالثة