التفاوت الاقتصادي الدولي.. فرض ضريبة على تحركات رؤوس الأموال لتحويل المساعدات المخصصة للتنمية

لا تعني العولمة التوافق الجماعي، وتقاسم ثروات الكرة الأرضية بالتساوي، بل إنها، تستند بالأحرى على التناقض الواضح. فالعالم لم يَبْدُ مطلقاً كونه غنياً، ولم يكن كذلك، لكنه في الوقت نفسه، لم يكن مجرداً من الثروات مطلقاً، إلى هذا الحد.

ولم يكن الفقر، كظاهرة هي التي نقصت، بل على العكس، فإن التفاوت الاقتصادي هو الذي يتعمق. ولا يمكن للعالم إلاّ أن يبقى محل ارتباك بل حتّى اضطراب، إذا استمر يتجاهل تلك القضية.

وهذا كثير الوقوع بالفعل في مواجهة الوضع المأساوي الذي يعيش فيه القسم الأعظم للإنسانية.

إنها اللوحة التي تشكلت، والتي تسببت بالصدمة عملياً: فهناك من الـ(6) مليار نسمة الذين يعيشون على سطح الكرة الأرضية، هناك (2,8) مليار إنسان منهم، أي النصف تقريباً، يعيشون على أقل من دولارين في اليوم الواحد للفرد الواحد، حسب تقرير صادر عن البنك الدولي. والأسوأ من ذلك أيضاً أن هناك (1,2) مليار إنسان "أي الخمس"، يعيش (44%) منهم في جنوب آسيا، على أقل من دولار واحد، للفرد، في اليوم. ويموت أقل من طفل واحد، من كل (100) طفل، قبل بلوغ من الخمس سنوات، في البلدان الغنية.

وعلى العكس، حيث يتعرض طفل واحد من خمسة أطفال للموت، في البلدان الأفقر، وذلك قبل أن يبلغ سنته الخامسة، ويعاني أقل من (5%) من الأطفال، من الأعمار التي تقل عن خمس سنوات، من سوء التغذية في البلدان الغنية.

في حين، يمكن أن تمس هذه المشكلة حوالي (50%) في مثل سنهم، في البلدان الفقيرة، و يتسبب هذا الإملاق في إضعاف شروط الحياة، مع ذلك، مع أن هذه الشروط قد تحسنت، خلال القرن العشرين، بمقدار ما خسرت في السنوات السابقة، من تاريخ البشرية، ويصل الدخل المتوسط، في العشرين بلداً، من البلدان الأغنى، إلى (37) مرة، أفضل من العشرين بلداً الأشد فقراً.

لقد جرى تعميد، اسم " البلدان النامية"، من ثم "البلدان المتطورة"، من أجل تجنب المحافظة على التسمية المحقرة، " البلدان المتخلفة"، منذ أن جرى الحديث عن التنمية منذ أكثر من خمسين عاماً.

هذا، مع التأكيد على محاولة العمل المشترك لاستدراك نمو اقتصادي، مع الزمن، باعتبار أن الفجوة في التنمية، فجوة وقتية، لن تصبح تفاوتاً أو عدم مساواة بنيوية.

وهذا ادعاء باطل، تكذبه الوقائع والحقائق، ويدعي عالم ا لاقتصاد الليبرالي، روستو (ROSTOW)، أن التخلف، أو سوء التنمية في بلدان الجنوب، لم يكن سوى ثمرة التخلف، مقارنة مع البلدان الرأسمالية في الشمال. ويدعي أن جميعها مستمرة بمرحلة الانطلاق بدورها، لأن البلدان المتطورة عرفت ذلك.

ويجب عليها الانفتاح أمام التبادلات الدولية، من أجل الحصول على رؤوس الأموال والتكنولوجيا التي تنقصها. لكن، لسوء الحظ، فإنه قد تأكد، أي التفاوت لم ينردم، بل على العكس، فإنه يتعمق مع مرور الزمن.

فقد كان للـ(20%) بلداً الأغنى من سكان هذا العالم، في عام (1960)، دخل يساوي (30) مرة، أعلى من دخل تلك البلدان الـ(30 %) الأفقر. وارتفعت هذه الفجوة، في عام (1995) لتصل إلى (82) مرة.

ولا يملك الـ(20%) بلداً الأفقر الآن سوى (1,1%) من الدخل العالمي مقابل (2,3%) عام 1960.
وإن الـ(225) شركة الأضخم والأغنى في العالم. تمثل، أو تعادل، ما يساوي الدخل السنوي لنصف الأفراد في البلدان الأشد فقراً على سطح الكرة الأرضية، أي حوالي (2,5) مليار شخص.

وقد شهد سوق المال (WALL STREET) في نيويورك حدوث أزمة مالية صغيرة (MINI -CRISE) في تلك البورصة، مست أو أثرت في قيم التكنولوجيا العالية، فانخفضت بمقدار (2000) مليار دولار، خلال أسبوع واحد، على رسملتها (CAPITALISATION)، بعبارة أخرى، ما يساوي مجموع الديون العمومية للبلدان النامية، كما لم تؤد عمليات تطوير الإنترنيت، ولا البنيات المعدلة جينياً، إلى خفض الجوع في العالم.

ويموت مليونا  شخص بسبب الملاريا كل عام. ويعيش أكثر من (1,5) مليار شخص في جو خطر من التلوث البيئي، ولا يستطيع (1,5) مليار رجل وامرأة الحصول على المياه الصالحة للشرب.

ولا يمتلك أكثر من نصف الإنسانية، نظاماً يفي بالمرام لتطهير الماء. ويموت العديد من ملايين الأشخاص كل عام، أيضاً من الأمراض التي تحملها المياه.

وفي حين يوضع تحت تصرف كل مواطن في أثيوبيا، وفي بنغلاوش وفي بورندي، (6) م3 بالمتوسط من الماء كل يوم، يوضع تحت تصرف المواطن في الولايات المتحدة (800) م3.

وينعكس هذا التفاوت، أو عدم المساواة، على الأمراض. فهناك (90%) من مرضى فقدان المناعة المكتسبة "الإيدز أو السيدا" هم من بلدان الجنوب. لكن 90% من الأموال المخصصة لكفاح ضد هذا المرض، تنفق في بلدان الشمال.

فإذا زادت حصة الثروة الكلية أو الشاملة في العالم، فهي لا تترافق مع تنمية أو تطوير يؤدي للتقليل من التفاوت أو عدم المساواة، التي يقوم بها أو تقودها السياسات المختلفة من أجل التنمية أو مساعدتها، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي لم تنجح للآن لإصلاح الأوضاع المأساوية.

وقد أخفقت نماذج التنمية الموجهة لخفض التفاوت، للآن، تلك النماذج التي توجه للمساعدة العمومية، حيث تواجه العقبات في أغلب الأحيان، نتيجة للبيروقراطيات المتبعة. وذلك لأن تلك المساعدات توجه إلى تمويل "الفيلة البيض"، أو توجه إلى المشاريع الضخمة، بخدمة الدعاية لأنظمة الحكم القائمة. دون أن تؤدي إلى حصول فوائد حقيقية  تمس السكان. بل فقط الأغنياء من الطبقة الحاكمة، في البلدان ذات العلاقة، ويضاف إلى ذلك ما ينفق للرشوة، والمفسدين.

ولم تكن السياسة ذات الإيحاء الليبرالي المشجعة للتجارة، أكثر فعالية، علماً أنه كان لها نتائج أفضل في بعض الأحيان. لكن كان لها ثمن اجتماعي مرتفع أكثر، والذي يأتي ليفسد النتائج الاقتصادية، في أغلب الأحيان، ومحدثاً خفضاً في الإنفاق العمومي والتعليم باسم الكفاح ضد العجز في الميزانيات، في كثير من الأحيان.

وقد أخفقت جميع المشاريع سواء أكانت باسم البرامج الخاصة بالبنية التحتية الكبيرة في خمسينيات القرن العشرين، أم بالنسبة للمشاريع تحت اسم التخطيط لكل قطاع، في ستينات ذلك القرن، أم بالنسبة لتقديم المساعدة لكل مشروع، في السبعينيات (1970)، أو المشاريع تحت اسم التسوية البنيوية، في الثمانينات (1980)، أم المشاريع المخصصة لتجسيد الأنظمة الحاكمة في التسعينيات (1990).

واعترف البنك الدولي نفسه، أنه إذا كان إنعاش أو تنشيط النمو الاقتصادي، ضرورة ملحة، فإن ذلك، لن يكون كافياً لبلوغ تلك الأهداف، ذلك البنك الغربي لن يكون موضع اتهام كبير بخصوص ما يقترحه من أجل تطوير الفرضيات ممكنة التطبيق.

كما اعترف، في تقريره السنوي عام الـ(2000)، أنه :"ربما يصبح طراز سير عمل المؤسسات العامة مجحفاً بالنسبة للفقراء بصورة خاصة في عالم فيه إصلاح السلطة السياسية غير متساوٍ، وغالباً مقلداً عن السلطة الاقتصادية.

وغالباً لا يستغل الفقراء الاستثمارات العامة في التربية وفي الصحة، أو لا يستفيدون منها. يضاف إلى ذلك، أنهم غالباً ما يكونون ضحايا فساد وتعسف السلطات الحاكمة.

وتؤثر المعايير والقيم الاجتماعية والسلوك ـ في نطاق العائلة وفي المجتمع، وفي السوق، وفي مجتمع النساء، وبعض المجموعات العرقية أو العنصرية، أو لدى الأشخاص المحرومين اجتماعياًـ تؤثر بقوة، نتيجة النشاطات الخاصة بالكفاح ضد الفقر.

لهذا، يعتقد البنك الدولي، بأن الإجراءات المستهدفة الخروج  من الدوائر المكافحة والرافضة، من خلال تحليل المعطيات التي يمكن التفكير بها، والمستهدفة عدم تهميش الفقراء، بجعل المؤسسات العمومية والاجتماعية أكثر تلبية لمطالب حاجياتهم. لأنها تعتبر عناصر جوهرية للصراع ضد الفقر.

واحتمى البنك الدولي، من جانب آخر، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بمفهوم " الحكم (GOUVERNANCE)، الذي بحسبه، إنه العمل الحكومي، في سبيل الحصول على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والمؤسساتية المدعومة، ويرجع مفهوم الحكم، إلى تعريفات جديدة للعلاقات بين الدول والسوق من جهة، وإلى السلطة السياسية، و المجتمع المدني، من جهة أخرى.

ويتعلق كل ذلك، بالإدارة الجيدة للقطاع العام، وسير عمله،  وشفافية الميزانيات، والأسواق العامة. وكذلك خفض الانفاقات العسكرية، واحترام حقوق الإنسان، وإقامة  كادر شرعي للنشاطات الاقتصادية المُتَعَلِّقة بحق ملكيات المجتمعات والتنافس في الاستثمارات، والحقوق النبيلة.

ويحدد برنامج الأمم المتحدة للتنمية، الحكم، بأنه الممارسة للسلطة السياسية والاقتصادية والإدارية، في نطاق بلد ما، وعلى جميع المستويات. بحيث يسمح بالتنمية الإنسانية، ويتضمن الحكم الآليات والعمليات والعلاقات والمجموعات المؤسساتية كوسيلة، يرتبط بوساطتها المواطنون والمجموعات بمصالحهم معاً ويمارسون حقوقهم ويتشاركون في واجباتهم، ويتوجهون بوساطتها، من أجل تسوية خلافاتهم.

وللحكم الجيد، ميزات عديدة، خصوصاً في المشاركة وفي الثقافة والمسؤولية، كما يشجع على أولوية القانون والحق.

ولا يوجه مفهوم الحكم إلاّ بوساطة الدولة، وهو يشتمل في الوقت نفسه، على القطاع الخاص والمجتمع المدني. ويواجه برنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD) موضوع توزيع الأدوار.

وتخلق الدولة البنية السياسية والقانونية الملائمة. ويخلق القطاع الخاص الأعمال وينتج المداخيل. أخيراً، يسهل المجتمع المدني التفاعل السياسي والاجتماعي،  حيث يجب على الجماعات المُشَاركة بالنشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ويجب أن يسمح هذا التفاعل البَنَّاء بين هذه المكونات، بالوصول إلى حكم " جيد". ويضيف برنامج الأمم المتحدة للتنمية، إذن، ضرورة الالتزام بالعقد الاجتماعي، حسب تعريف البنك الدولي.

وقد حددت منظمة الأمم المتحدة، الوصول إلى الأهداف التالية،من الآن، وحتى عام (2012)، كهدف للمجتمع الدولي:
- خفض نسبة عدد الناس الذين يعيشون في حالة فقر شديد، إلى النصف " ممن يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم".
- ضمان التعليم الابتدائي العام للجميع.
- ضمان تعادل الأجناس بالنسبة للتعليم الابتدائي والثانوي من الآن، وحتى عام (2005).
- خفض نسب الوفيات بين الأطفال والأحداث بمقدار الثلثين.
- خفض نسب الوفيات بين الأمهات بمقدار ثلاثة أرباع.
- عرض المداخل العامة للخدمات الصحية، فيما يتعلق بعلم الوراثة.
- تطبيق الاستراتيجيات الوطنية للتنمية الدائمة، من الآن، وحتى عام الـ(2005)، بطريقة معاكسة لما يصيب مصادر البيئة من خسائر، من الآن وحتى عام (2015).

ويجب أن يقاس مدى التحدي، في الحالة التي يزداد فيها عدد السكان في العالم، من الآن وحتى عام الـ(2015)، و التي ستصل إلى (2) مليار نسمة، منهم (97 %) في البلدان النامية.

ولم تعدل النداءات والتضرعات والالتزامات والمواثيق بشكل جوهري، من معانات بلدان العالم الثالث. وتجبر الحقيقة على القول، إنه بعد خمسين عاماً من السياسة التنموية، يوجد مليار كائن بشري، على الدوام، ممن هم دون عتبة العيش أو البقاء على قيد الحياة. ويبقى الهدف، بما في ذلك الطموح المتفائل، خفض الفقر، وليس استبعاده على المدى المتوسط والطويل. مع ذلك، لا تشكل الوسائل المالية والتكنولوجية والإنسانية، العقبة الأكبر، متعذرة الاجتياز أو العبور، لكن العقبة الحقيقة، هي غياب الإدارات الحقيقية سواء في بلدان الشمال، أم في بلدان الجنوب.

هذا، ولم تظهر تلبية حاجات الإنسان الغذائية، أنها ذات كلفة مفرطة مع ذلك، ويمكن أن يخصص جزء فقط لما يخصص للحروب لتغطية هذه الحاجات. هذا، ويقدر برنامج التعليم الأساسي بالنسبة للجميع بـ(6) مليار دولار فقط، أما ما يمكن أن يؤدي إلى المياه الصالحة للشرب، وحاجات التطهر والنظافة العامة فتصل إلى (9) مليار دولار.

ويكلف اختفاء الجوع في العالم (13) مليار دولار فقط.
وفي حين تبقى مبالغ المساعدات العمومية للتنمية متراجعة، تُفْتَح الأسواق في البلدان الغنية أمام منتجات البلدان الفقيرة.

إن الرسوم الجمركية، هي في الواقع مرتفعة في كثير من الأحيان. على المنتجات الزراعية، ومنتجات الأساس، مما هي عليه المنتجات المصنعة.

ويقترح البعض فرض ضريبة على تحركات رؤوس الأموال لتحويل المساعدات المخصصة للتنمية.
وقد اقترح  جميس توبان JAMES TOBIN الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، اقترح فرض رسم بنسب مائوية ضعيفة، على المعاملات التجارية الخاصة بالأموال الأجنبية، وذلك في عام (1970)، في سبيل الكفاح ضد حركات المضاربات المالية وبرؤوس الأموال. وقد سقطت تلك الفكرة في مجاهل النسيان قبل انبثاقها، مع ظهور الأزمة المالية الأسيوية والروسية، في عام (1997)، وعام (1998). وتصل تسعيرة المعاملات اليومية، في أسواق التبادلات، إلى (5,1%) مما يسمح بالحصول على مبلغ يصل إلى (150) مليار دولار في العالم، وهو مبلغ يزيد على المساعدات الموزعة في الوقت الحاضر من قبل البلدان المتقدمة اقتصادياً.

ومن هنا جاء اسم (ضريبة توبان). لكن توبان نفسه يرفض هذه الحجة، مذكراً أن فكرته، كانت للكفاح ضد حركات المضاربات برؤوس الأموال، في نهاية معادلة ذهب/دولار.

إن الكفاح ضد المضاربات، ومساعدة البلدان الفقيرة، هما بالتأكيد، هدفان محل تقدير، لكن، ليس من المؤكد أن أحدهما يستطيع أن يكون موضوعاً لخدمة الآخر.

من جانب آخر، ليست حركات رؤوس الأموال تضاربية بالضرورة، فهي تستطيع أن تصبح النتيجة للشك أو التردد في التبادل، في الوقت نفسه، كما لم يعد هناك حركات لرؤوس الأموال بين بلدان منطقة "اليورو". ومهما يكن التقدم في العولمة، فالدول/ الأمم، ليست جاهزة، حتّى الآن، للقبول بولادة ضريبة على المستوى العالمي.

أما إلغاء الديون، حيث يمنع ثقلها وأعباؤها، كل استثمار، فكان أمر إلغائها بغير الاتجاه الصحيح عام (1999) وبالطريق المرسوم المتميز، حيث اقترح كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، خطة، من أجل إلغاء ديون البلدان الفقيرة، خاصة تلك المدينة كثيراً، وتشير تلك الخطة بأن تكون المصادر المحررة نتيجة إلغاء الديون، مخصصة لقطاعات الصحة والتعليم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال