العمل.. زوال العمل القائم على القوة العضلية واللامتخصّص والمستند إلى حلول أي عامل محلّ الآخر وصعود العمل ذي الكفاءة المتخصصة

إن العمل نفسه قد تحوّل عما كان عليه، فالعمل القائم على القوة العضلية، واللامتخصّص، والمستند إلى حلول أي عامل محلّ الآخر، كان محرك الموجة الثانية.

وكانت التربية الجماهيرية، على مثال المعمل، تهيئ العمال لعمل روتيني، ومتكرر، أما الموجة الثالثة، بالمقابل، فإنها تصحَبُ بعدم إمكانية التبادل المتزايد لليد العاملة، على حين أن حاجات اليد العاملة المختصة، ترتفع كما يرتفع السهم.

إن القوة العضلية هي في الأساس قابلة للتبديد والاستهلاك.
وهكذا فإن عاملاً ما، غير متخصص، يترك العمل أو يَسرَح، ويعوص عنه بسهولة، وبأجر يصل إلى الحد الأدنى.

وبالمقابل فإن العامل الذي يكتسب درجة من الكفاءة المتخصصة، لما يتطلبه اقتصاد الموجة الثالثة، يجعلُ من الصعب والمكلف تغييره، لصعوبة الحصول على مثله.

فإذا وجد حارس مسرّح من معمل كبير يعملُ لحساب الدفاع، تجاه مزاحمة كمية عنيفة  من قبل عمال آخرين لا عمل لهم، يمكنه أن يجد عملاً كحارس في مدرسة مثلاً، أو في شركة لأعمال البرّ.

وبالمقابل فإن المهندس الإلكتروني الذي أمضى سنين وسنين في بناء الأقمار الصناعية، لا يملكُ بالضرورة تلك المزايا المطلوبة للعمل في شركة متخصصة في تقنيات البيئة.

والطبيب النسائي لا يملك ما يؤهله لجراحة الدماغ، وهكذا فإن الاختصاص الذي يزداد عمقاً والتجدّد السريع في أمر الكفاءات الضرورية، يقلّلان من إمكانية تبادل الاعمال أو اليد العاملة.

وبمقدار ما تنمو الاقتصاداتُ، يَبرزُ تغيّرُ آخر على صورة "علاقة جديدة بين "العمل المباشر" والعمل غير المباشر.

فالعمل المباشر، والإنتاج بالمصطلحات التقليدية (ولكن هذه تفقد معناها بسرعة) ثمرةٌ لجهد العمال الذين يُصنعون المنتج بصورة مشخصة في معاملهم. إنهم ينتجون القيمة المضافة، على حين أن كلّ المساهمات الأخرى. تعدُّ "غير منتجة" أو "غير مباشرة".

اما في أيامنا هذه، فإنَّ هذه التمييزات يختلط أمرها، على حين أن العلاقة بين العمال وأصحاب الياقات البيضاء، من التقنيين أو الاختصاصيين، يهبط ليصبح على مستوى المعمل. ذلك أن العمل "اللامباشر" ينتج "على الأقل، مثل، هذه القيمة، إن لم يكن أكثر مما يعادل" العمل المباشر(1).

 (1) يريد المؤلف أن يقول: إن كثافة العمال في المصانع القديمة، وعملهم غير المختص، كانا يعتبران أشياء هامة في الموجة الثانية، وكل شيء آخر يعتبر ثانوياً.
أما العمل اللامباشر والمختص فإنه يصل إلى الانتاج نفسه، ويحصل على نفس القيمة المضافة (أو أكثر منها) في مصانع الموجة الثالثة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال